أمّا الأوّل : فنقض ما ذكره في وجه بطلان الشقّ الثالث ـ بما ذكره في وجه بطلان الشقّ الثاني والرابع ـ من منافاة عدم استحقاق من صادف قطعه الخمر الواقعي لأدلّة الواقع الدالّة على حرمة شرب الخمر الواقعي ، فإنّ قضيّة دعوى المنافاة الالتزام باستحقاقه العقاب ، فيلزم إناطة الاستحقاق بأمر خارج عن الاختيار وهو مصادفة قطعه الخمر الواقعي.
وأمّا الثاني : فلأنّا نوافق المستدلّ في أحد جزئي ما رجّحه من الشقّ الأوّل ، وهو استحقاقهما العقاب ونقول : إنّ استحقاقه العقاب حقّ ، ولكنّه إنّما يستحقّه على الفعل الاختياري وهو شرب الخمر الواقعي ، فإنّه فعل صدر منه باختياره ، فالشارع يعاقبه لأنّه شرب الخمر الواقعي اختيارا لا لأنّ قطعه صادف الواقع ، وبالجملة هذا يعاقب على شرب الخمر الواقعي الّذي صدر منه اختيارا لا على مصادفة قطعه الواقع ، ونخالفه في الجزء الثاني ونقول :
بأنّه لا يلزم من نفي استحقاق من لم يصادف قطعه الواقع إناطة استحقاقه بأمر خارج عن الاختيار ، بل لو لزم ذلك للزم على قول المستدلّ ، لأنّ العقاب الّذي يلتزم استحقاقه فيه إمّا أن يترتّب على فعله الاختياري وهو شربه لما ليس بخمر واقعي ، أو على عدم مصادفة قطعه الواقع.
والأوّل باطل لأنّ الحرمة بموجب أدلّة الواقع ـ كما سلّمه المستدلّ ـ إنّما ثبتت لشرب الخمر الواقعي ، وثبوت مثلها للخمر المعتقد أيضا أوّل المسألة.
والثاني إناطة لاستحقاق العقاب بأمر خارج عن الاختيار وهذا قبيح ، بخلاف عدم العقاب عليه ، فإنّ القبيح إنّما هو معاقبة الإنسان بأمر لا يرجع إلى اختياره ، وأمّا عدم معاقبته بأمر لا يرجع إلى اختياره فلا قبح فيه ، وهذا نظير ما لو سقط أحد من السطح من غير اختيار ، أو ألقاه غيره قهرا عليه فمات ، فإنّ عقابه لأجل سقوطه قبيح لا عدم عقابه عليه ، فلا يلزم من مختارنا من عدم استحقاق من لم يصادف قطعه قبح أصلا ، ولا منافاة للعدل والحكمة.
والأصل فيما اخترناه ـ من استحقاق من صادف قطعه ـ أنّ حسن الثواب والعقاب على الأفعال والتروك ينوط بكون العمدة من جهات الفعل أو الترك اختياريّة ، فلا يقدح في الحسن ما لو كان فيه جهة غير اختياريّة أيضا ، كما في مثال من صادف قطعه الخمر الواقعي.
وقد ينزّل على هذه القاعدة ما ورد في الأخبار من أنّ « من سنّ سنّة حسنة كان له مثل أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له وزر من عمل بها » (١) فلو فرضنا أنّ شخصين سنّا سنّة حسنة أو سيّئة واتّفق كثرة العامل بما سنّه أحدهما وقلّة العامل بما سنّه الآخر ،
__________________
(١) الوسائل ١١ : ١٦ / ١. ب ٥ من أبواب جهاد العدوّ ح ١.