أمّا الأوّل : فلأنّ التجرّي لكشفه عن عدم مبالاته بالمعاصي وجرأته عليها ـ حتّى أنّه لو فرض مطابقة ظنّه في موارده للمعصية الواقعيّة لارتكبها ـ كاشف عن فقدانه للملكة النفسانيّة الرادعة عن ارتكاب الكبائر ، والإصرار على الصغائر الّتي هي حقيقة العدالة على المشهور.
ولا ريب أنّ الفاقد لها فاسق ، فالحكم بفسقه إنّما هو لانكشاف فقدان ملكة العدالة ، لا لفعله المتجرّى به لينافي ما قدّمناه من عدم كونه عصيانا.
وأمّا الثاني : فلأنّ العقاب فرع على العصيان وهو فرع على الخطاب وقد عرفت أنّ التجرّي في مورد الاعتقاد الغير المطابق لا يؤثّر خطابا ، فقد ظهر بملاحظة كلام الشهيد أنّه قد يكون بفعل ما ليس بمحرّم في الواقع باعتقاد كونه محرّما ، وقد يكون بقصد المعصية فيما ليس بمعصية باعتقاد كونه معصية ، وكلاهما قبيحان والمتجرّي فيهما معا يستحقّ ذمّ العقلاء ، ولكنّه لا يؤثّر في تحريم ما يتجرّى به فعلا كان أو قصدا.
وأمّا قصد المعصية فيما هو معصية في الواقع مع العلم بكونها معصية من غير تلبّس بها ، فلا ينبغي التأمّل في قبحه عقلا واستحقاق فاعله المذمّة عند العقلاء ، ولا كلام لأحد فيه حتّى عند علماء الكلام.
قال المحقّق الطوسي في التجريد : « ارادة القبيح قبيحة (١) » وهل هو مع قبحه العقلي محرّم شرعي أيضا أو لا؟ وعلى تقدير التحريم فهل يعاقب عليه أيضا في الآخرة أو لا؟
فنقول : إنّ في عدّة من الآيات والروايات الدلالة على التحريم وكونه منهيّا عنه ، وقد تقدّم بيان الجميع وبيان وجوه دلالاتها وسائر ما يتعلّق بها بعد نقل أقوال العلماء والإشارة إلى نوع اختلاف فيه ـ في ذيل مسألة مقدّمة الواجب عند البحث في أحكام مقدّمة الحرام ولا حاجة إلى إعادة ما سبق هنا.
وفي عدّة من الأخبار (٢) الاخر العفو عنه ، ـ كما اعترف به الشهيد في عبارته المتقدّمة ـ فيقع التعارض بينها وبين الآيات والروايات المتقدّم إليهما الإشارة لكونها بين صريحة وظاهرة في ترتّب العقاب عليه فعلا.
وقد يجمع بحمل ما دلّ على العفو على من نوى المعصية وقدر على فعلها ولم يفعلها اختيارا ، وما دلّ على ترتّب العقاب على من نواها وعجز من فعلها فلم يفعلها قهرا.
__________________
(١) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٣٨.
(٢) انظر الوسائل : ١ : ٥١ ـ ٥٥ / ٦ و ٧ و ٨ و ٢٠ و ٢١ ، من أبواب مقدّمة العبادات.