وأمّا الثالث : فمع عدم اطّراد تولّد الظنّ بالحكم الفرعي من الظنّ في المسألة الاصوليّة ، أنّ وجوب العمل به من حيث استلزامه الظنّ بالحكم الفرعي ليس من حجّية الظنّ في المسائل الاصوليّة من حيث أنّه ظنّ في المسائل الاصوليّة ، بل هو من حجّيّة الظنّ في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة من أيّ سبب حصل ، ومن أسبابه الأمارة القائمة بالمسألة الاصوليّة.
والضابط الكلّي فيما يدخل في دليل الانسداد ، وما لا يدخل فيه ، هو انسداد باب العلم في كلّ ما يكون بيانه من وظيفة الشارع ، فيحكم العقل بقيام الظنّ فيه مقام العلم ، لكون العمل به امتثالا ظنّيّا على معنى الموافقة الظنّيّة ، فيدخل فيه الأحكام الكلّيّة الإلهيّة تكليفيّة ووضعيّة ، حتّى أجزاء العبادات وشرائطها وموانعها ، وكذلك المعاملات ، وخرج عنه المسائل الاصوليّة ، لكون المرجع في مباحث ألفاظها العرف ، وفي مسائلها العقليّة هو العقل ، وكلّ منهما طريق علمي في الغالب.
وأمّا مباحث الحجّيّة فدخولها في الضابط مبنيّ على أن يقرّر بكلّ ما انسدّ فيه باب العلم ممّا كان بيانه من الأحكام الكلّيّة الإلهيّة ، ونصب طرق غير علميّة عليها من وظيفة الشارع ، على معنى كون كلّ منهما واجبا عليه ، فإذا انسدّ باب العلم بهما معا قام الظنّ في كلّ منهما مقام العلم.
ولكنّه غير سديد ، لمنع كون نصب الطرق من وظيفة الشارع ، على معنى وجوبه عليه بحيث لزم عليه من تركه القبح ، حيث لا دليل عليه من عقل ولا نقل ، كما تقدّم.
ويخرج عنه الموضوعات المستنبطة ، لكون المرجع فيها العرف واللغة ، وكلّ منهما في غالب مواردهما طريقا علميّا ، وكذلك الموضوعات الخارجيّة الصرفة ككون هذا المائع ماء أو خلاّ أو خمرا ، وهذا الشيء ترابا أو صعيدا ، وهذا الجلد ممّا يؤكل لحمه ، وهذا الثوب حريرا أو غير حرير ، وهذا الحيوان غنما أو كلبا ، وما أشبه ذلك ، لعدم كون بيان هذه الامور أيضا من وظيفة الشارع مع انفتاح باب العلم في معظمها ، لكون المرجع فيها العرف وأهل الخبرة ، وهما أيضا طريقان علميّان في غالب مواردهما ، وما شذّ من الموارد ممّا لا يحصل بهما العلم فهو بحيث لو بني فيه على العمل بالبراءة أو الاحتياط كلّ في موضعه المناسب لم يلزم محذور من مخالفة قطعيّة ولا اختلال نظم ، فلا يجري فيها أيضا دليل الانسداد ، ولا قاضي بحجّيّة الظنّ ووجوب العمل به فيها عموما ، ولا ينافيه ثبوت الحجّيّة له في جملة من الموارد ، كظنّ دخول الوقت في أوقات الفرائض عند تعذّر العلم ، وظنّ جهة القبلة عند