في مصلحتك وهدايتك من أهل الكفر ومن أهل الإسلام ، حتّى ظفرت أنت بسعادتك ، وكم خرّب من بلاد عامرة ، وأهلك من أمم غابرة.
ثمّ اذكر إبراز الله جلّ جلاله إسراره بيوم العيد ، وأظهر لك أنواره بذلك الوقت السعيد ، من مخزون ما كان مستورا عن الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، وجعلك أهلا أن تزور عظمته وحضرته فيه ، وتحدّثه بغير واسطة وتناجيه.
فهل كان هذا في حسنات نطفتك أو علقتك أو مضغتك؟ أو لمّا كنت جنينا ضعيفا؟ أو لمّا صرت رضيعا لطيفا؟ أو لمّا كنت ناشئا (١) صغيرا؟ أو هل وجدت لك في ذلك تدبيرا؟.
فكن رحمك الله عبدا مطيعا ومملوكا سميعا لذلك المالك السّالك بك في تلك المسالك ، الواقي لك من المهالك ، فوالله إنّه ليقبح بك مع سلامة عقلك ، وما وهب لك من فضله ، الّذي صرت تعتقده من فضلك أن تعمى أو تتعامى عن هذا الإحسان الخارق للألباب ، أو أن تشغل عنه ، أو تؤثر عليه شيئا من الأسباب؟
أقول : فاستقبل هداية الله جلّ جلاله إليك يوم عيده ، بتعظيمه وتمجيده ، والقيام بحقّ وعوده ، والخوف من وعيده ، وفرحك وسرورك بما في ذلك من المسارّ والمبارّ على قدر الواهب جلّ جلاله ، وعلى قدر ما كنت عليه من ذلّ التراب ، وعقبات النشأة الأولى وما كان فيها من الأخطار ، وتردّدك في الأصلاب والأرحام ألوفا كثيرة من الأعوام ، يسار بك في تلك المضايق على مركب السّلامة من العوائق ، حتّى وصلت إلى هذه المسافة ، وأنت مشمول بالرحمة والرأفة ، موصول بموائد الضّيافة ، آمنا من المخافة.
فالعجب كلّ العجب لك إن جهلت قدر المنّة عليك فيما تولاّه الله جلّ جلاله من الإحسان إليك ، فاشتغل بما يريد ، وقد كفاك كلّ هول شديد ، وهو جلّ جلاله كافيك ما قد بقي بذلك اللّطف والعطف الّذي أجراه على المماليك والعبيد.
__________________
(١) الناشئ : الغلام أو الجارية إذا جاوزا حدّ الصغر وشبّا.