بين أهل مكّة وبين رسول الله صلىاللهعليهوآله عداوة قبل رسالته ، ولا بينهم وبينه قتل ولا دماء قد سفكها ، تمنع طبعا وعقلا من قبول نبوّته.
وامّا مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل السلام ، الّذي نصّ الله جلّ جلاله عليه على لسان رسوله عليه أعظم الصلاة والسلام في يوم الغدير ، فإنّ أهل الإسلام كانوا قد اتّسعت عليهم شبهات العقول والأحلام وتأويل ما يقدرون فيه على التأويل ، وكان مولانا علي عليهالسلام قد عادى كثيرا في الله جلّ جلاله وفي طاعة الرسول الجليل ، فسفك دماء عظيمة من أسلافهم وعظمائهم وأمثالهم ، وسار مع رسول الله عليهالسلام سيرة واحدة في معاداة من عاداه من أوّل امره إلى آخره ، من غير مراعاة لحفظ قلوب من كان عاداه من رجالهم ، وظهرت له من العنايات والكرامات ما اقتضت حسد أهل المقامات.
فحصل لإمامته من المعاداة والحسد له على الحياة ونفور الطبائع ، بأنّه ما يسير الاّ سيرة واحدة من غير مداهاة زيادة على ما كان عند بعثة النبي عليه أفضل الصلوات ، بلغ الأمر إلى ما قدمناه قبل هذا الفصل من العداوات.
فصل : ولقد حكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ، وهو من المخالفين المعاندين ، كلاما جليلا في سبب عداوة الناس لمولانا علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال في مدح أبو الهيثم بن التيهان انّه أوّل من ضرب على يد رسول الله صلىاللهعليهوآله في ابتداء أمر نبوّته ، ثم قال بإسناده إلى أبو الهيثم بن التيهان انّه قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال :
انّ حسد قريش إيّاك على وجهين : امّا خيارهم فتمنّوا ان يكونوا مثلك منافسة (١) في الملإ وارتفاع الدرجة ، وامّا شرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال ، وذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمها إليك الحظّ وأخّرهم عنها الحرمان ، فلم يرضوا ان يلحقوا حتّى طلبوا ان يسبقوك ، فبعدت والله عليهم الغاية وأسقط المضمار.
فلمّا تقدّمتهم بالسّبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت ، وكنت والله أحقّ
__________________
(١) نافس فلانا في أمر : فأخره وباراه فيه.