قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران ، فعاد كرز بن سبرة لكلامه وكان كمّيا (١) أبيا ، فقال : أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك النّاس ثمّ العرب ذلك منّا ، أنتهالك (٢) إلى ذلك أم نقرّ بالجزية وهي الخزية حقّا ، لا والله حتى نجرّد البواتر (٣) من أغمادها ، وتذهل الحلائل (٤) عن أولادها ، أو تشرق (٥) نحن محمّد بدمائنا ، ثم يديل (٦) الله عزّ وجلّ بنصره من يشاء.
قال له السيد : اربع (٧) على نفسك وعلينا أبا سبرة ، فان سلّ السيف يسلّ السيف ، وانّ محمّدا قد بخعت (٨) له العرب ، وأعطته طاعتها وملك رجالها واعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر (٩) منهم والمدر (١٠) ، ورمقه (١١) الملكان العظيمان كسرى وقيصر ، فلا أراكم والرّوح لو نهد (١٢) لكم ، الاّ وقد تصدّع عنكم من خفّ معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلحم على وضم (١٣).
وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقي من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانيّة ، وكان مثواه بنجران ، فقال له أبا سعاد (١٤) : قل في أمرنا وانجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده.
فقال : فإنّي أرى لكم أن تقاربوا محمّدا وتطيعوه في بعض ملتمسه عندكم ،
__________________
(١) كمّ : إذا قتل الشجعان.
(٢) تهالك في الأمر أو العدو : جدّ فيه مستعجلا.
(٣) البواتر : السيوف.
(٤) الحليل ج حلائل : الزوج لأنه يحل مع امرأته وتحل معه.
(٥) تشرق : تظهر.
(٦) يديل : ينصر.
(٧) اربع : ارفق.
(٨) بخعت : أطاعت.
(٩) الوبر ، هو للإبل كالصوف للغنم ، أهل الوبر : أهل البدو.
(١٠) المدر : الطين ، أهل المدر : أهل المدن والقرى لأنّ بنيانها غالبا من المدر.
(١١) رمقه : نظر إليه.
(١٢) نهد : نهض.
(١٣) الوضم : كل شيء يجعل عليه اللحم من خشب.
(١٤) سعد ( خ ل ).