وما كان قد دنا شرّ لقاء المشركين ، وما كان لك أسوة بنفسي (١) ، فكيف تقوى على لقاء الكفار بسورة براءة ، وما أنا معك وأنت وحدك؟
ولم يكن النبي صلىاللهعليهوآله ممّن يخاف على أبي بكر من الكفّار أكثر من خوفه على علي عليهالسلام ، لأنّ أبا بكر ما كان جرى منه أكثر من الهرب منهم ، ولم يعرف له قتيل فيهم ولا جريح ، وانّما كان علي عليهالسلام هو الذي يحتمل (٢) في المبيت على الفراش حتّى سلم النبي منهم ، وهو الذي قتل منهم في كل حرب ، فكان الخوف على علي عليهالسلام من القتل أقرب إلى العقل.
أقول : وقد مضى في الحديث الأوّل انّ مولانا علي عليهالسلام بعثه النبي صلىاللهعليهوآله لردّ أبي بكر وتأدية آيات براءة بعد فتح مكّة ، فينبغي ان نذكر كيف أحوج الحال إلى هذا الإرسال بعد فتح مكّة فنقول :
انّنا وجدنا في كتب من التواريخ وغيرها انّ النبي صلىاللهعليهوآله فتح مكّة سنة ثمان من الهجرة واستعمل على أهلها عتاب بن أسيد بن العيص بن أميّة بن عبد شمس ، ثمّ اجتمعت هوازن وقدّموا لحربه عليهالسلام ، فخرج من مكّة إلى هوازن فغنم أموالهم.
ثم مضى إلى الطائف ، ثمّ رجع من الطائف إلى الجعرانة (٣) ، فقسّم بها غنائمهم ، ثم دخل مكّة ليلا معتمرا ، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفا والمروة وقضى عمرته وعاد إلى الجعرانة ، ومنها توجّه إلى المدينة ولم يحجّ عليهالسلام تلك السنة.
فلمّا حجّ الناس سنة ثمان ولم يحجّ النبي صلوات الله عليه وآله فيها ، حجّ المسلمون وعليهم عتّاب بن أسيد ، لانّه أمير مكّة ، وحجّ المشركون من أهل مكة وغيرها ممّن أراد الحجّ من الّذين كان لهم عهدته مع النبي صلىاللهعليهوآله ومن انضمّ إليهم من
__________________
(١) الاسوة : القدوة ، أي لم تقتد بنفسي وقد أمر الله تعالى بذلك حيث قال « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » الأحزاب : ٢١.
(٢) كذا في النسخ ، ولعل : احتمل ، أي أطاقه وصبر عليه.
(٣) الجعرانة : موضع قريب من مكة وهو في الحل وميقات الإحرام.