بَلْ دَعاهُ هَواهُ الى ما نَهَيْتَهُ وَالى ما حَذَّرْتَهُ ، وَأَعانَهُ عَلى ذلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ ، فَاقْدَمَ عَلَيْهِ خائِفاً لِوَعِيدِكَ (١) ، راجِياً لِعَفْوِكَ ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ ، وَكانَ أَحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما انْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ (٢) انْ لا يَفْعَلَ.
فَها انَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ صاغِراً (٣) ، خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً ، مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ ، وَجَلِيلٍ مِنَ الْخَطايا اجْتَرَمْتُهُ (٤) ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ ، مُوقِناً انَّهُ لا يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ ، وَلا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مانِعٌ.
فَعُدْ عَلَيَّ بِما تَعُودُ بِهِ عَلى مَنِ اقْتَرَفَ (٥) مِنْ تَغَمُّدِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِما تَجُودُ بِهِ عَلى مَنْ أَلْقى بِيَدِهِ الَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِما لا يَتَعاظَمُكَ انْ تَمُنَّ بِهِ عَلى مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرانِكَ ، وَاجْعَلْ لِي فِي هذا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوانِكَ ، وَلا تَرُدَّنِي صِفْراً (٦) مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُعْتَذِرُونَ الَيْكَ (٧).
فَانِّي وَانْ لَمْ اقَدِّمْ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحاتِ ، فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ وَنَفْيَ الأَضْدادِ وَالأَنْدادِ وَالأَشْباهِ عَنْكَ ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الأَبْوابِ الَّتِي امَرْتَ انْ يُؤْتى مِنْها ، وَتَقَرَّبْتُ الَيْكَ بِما لا يُتَقَرَّبُ بِهِ احَدٌ مِنْكَ الاَّ بِالتَّقَرُّبِ بِهِ.
ثُمَّ اتَّبَعْتُ ذلِكَ بِالإِنابَةِ الَيْكَ وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكانَةِ (٨) لَكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ وَالثِّقَةِ بِما عِنْدَكَ ، وَشَفَعْتُهُ مِنْ رَجاءِكَ الَّذِي لا يَخِيبُ (٩) عَلَيْكَ بِهِ راجِيكَ ، وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ (١٠) الْبائِسِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ الْخائِفِ الْمُسْتَجِيرِ.
__________________
(١) عارفا لوعيدك ( خ ل ).
(٢) مننت عليه ( خ ل ).
(٣) ذليلا ( خ ل ).
(٤) اجترمته : عملته.
(٥) تعود على من أسرف ( خ ل ).
(٦) صفرا : خاليا.
(٧) المتعبدون لك من عبادك ( خ ل ).
(٨) استكان : خضع وذل.
(٩) قلّ ما يخيب ( خ ل ).
(١٠) الحقير الذليل ( خ ل ).