وامّا ثانيا : فالظاهر أن الشهيد أخذ القصّة من كتبهم (١) ، والموجود في جامع الأصول هكذا : ومن الواضعين جماعة وضعوا الحديث تقرّبا الى الملوك ، مثل : غياث بن إبراهيم ، دخل على المهدي بن المنصور وكان تعجبه الحمامة الطّيارة الواردة من الأماكن البعيدة ، فروى حديثا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم انّه قال : لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل أو جناح ، قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم ، فلمّا خرج قال المهدي : اشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسول الله ، ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : جناح ، ولكن هذا تقرّب إلينا ، وأمر بذبحها ، وقال : انا حملته على ذلك (٢).
وكون غياث المذكور هو التميمي الأسدي مبني على الاتحاد ، وفيه ما تقدم ، فلعلّه النخعي ، ومعه لا تأييد فيه ، مضافا الى معارضته لما ذكر الدميري في حياة الحيوان ، قال : وذكر أنّ الرشيد كان يعجبه الحمام واللعب به فاهدى له حمام وعنده أبو البختري وهب القاضي ، فروى له بسنده عن أبي هريرة أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو جناح ، فزاد : أو جناح ، وهي لفظة وضعها للرشيد فأعطاه جائزة سنيّة ، فلمّا خرج قال الرشيد : تا الله لقد علمت انه كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمر بالحمام فذبح ، فقيل له : وما ذنب الحمام؟ قال : من اجله كذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فترك العلماء حديث أبي البختري لذلك وغيره من موضوعاته ، فلم يكتبوا حديثه الى ان نقل عن بعضهم أن الواضع غياث بن إبراهيم وضعه للمهدي لا للرشيد (٣).
لكن في شرح التقي المجلسي في كتاب القضاء ـ بعد نقل الخبر الصادقي ـ :
__________________
(١) شرح الدراية للشهيد : ٥٦.
(٢) جامع الأصول ١ : ١٣٧.
(٣) حياة الحيوان ١ : ٢٦٠.