وكأنّ الأمر لا يعنيه (١).
ولمّا علم مسلم بما جرى لهانئ ، ورأى تَخاذُلَ عشيرته مذحج الغنية بعددها وعدَّتِها خرج في أصحابه ، ونادى مناديه في النّاس وسار بهم لمحاصرة القصر ، واشتدّ الحصار على ابن زياد ، وضاق به أمرُه ، ولكنّه استطاع بدهائه مكره أن يتغلب على المحنة ويُخذل الناس عن مسلم(٢).
لقد دسّ ابن زياد في أوساط النّاس أشخاصاً يُخَذِّلونهم ، ويتظاهرون بالدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار ، وعدم إراقة الدماء ، ويحذّرون من قدوم جيش جرّار من الشّام بهدف كسب الوقت وتفتيت قوى الثوار. واستمرّ الموقف كذلك والناس تنصرف وتتفرّق عن مسلم. وبدخول الليل صلّى بمَنْ بقي معه وخرج من المسجد الجامع وحيداً لا ناصر له ولا مؤازر ، ولا مَنْ يَدُلُّه على الطريق ، وأقفل النّاس أبوابهم في وجهه ، فمضى يبحث عن دار يأوي إليها في ليلته تلك ، وفيما هو يسير في ظلمة الليل وجد امرأةً على باب دارها وكأنّها تنتظر شيئاً ، فعرّفها بنفسه وسألها المبيت عندها إلى الصّباح ، فرحّبت به وأدخلته بيتها ، وعرضت عليه العشاء فأبى أن يأكل شيئاً. وعرف ولدها بمكانه وكان ابن زياد قد أعدّ جائزة لِمَنْ يخبره عنه ، وما كاد الصّبح يتنفّس حتّى أسرع ولدها إلى القصر وأخبر محمّد بن الأشعث بمكان مسلم بن عقيل ، وفور وصول النبأ إلى ابن زياد أرسل قوّة كبيرة من جنده (٣) بقيادة ابن الأشعث إلى المكان الذي فيه مسلم ، وما أن سمع بالضجّة حتّى أدرك أنّ القوم
__________________
(١) الكامل في التأريخ ٣ / ٢٧١ ، والفتوح ـ لابن أعثم ٥ / ٨٣ ، وإعلام الورى ١ / ٤٤١.
(٢) سيرة الأئمّة الاثني عشر ، القسم الثاني / ٦٣ ، وإعلام الورى ١ / ٤٤١ ، ومناقب آل أبي طالب ٤ / ٩٢ ، والكامل في التأريخ ٣ / ٢٧١.
(٣) جاء في «الإرشاد» أنّهم كانوا سبعين رجلاً.