ابن أبيه ، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حُصِر» (١).
وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء : إنّه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين عليهالسلام (٢).
وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته ، وعدم إتاحة الفرصة السّياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً ، بخاصّة أنّه عليهالسلام التزم بالهدنة التي عقدها أخوه عليهالسلام في زمن معاوية ، فقد اُثر عنه عليهالسلام في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج ، فضلاً عن أنّه عليهالسلام في زمن أبيه عليهالسلام قد ساهم في خطب المشاورة والحرب (٣) ، وحشَد فيها كلّ السّمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله إلى الجمهور (٤).
وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطفّ أو كربلاء ، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلى نهايتها ، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً ، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه ، وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله.
وممّا جاء في أحدها : «تبّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً! أحين استصرختمونا والهِين فأصرخناكم موجِفين ، مؤدّين مستعدّين ، سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم ، وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم إلبْاً على أوليائكم ، ويداً عليهم لأعدائكم ، بغيرِ عدلٍ أفشوه فيكُم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم فيه».
واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفنّ المتنوعة بالإضافة إلى عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصّرف أن يلحظ ما تتضمّنه من
__________________
(١ و٢) المجالس السنية / ٢١ ، ٢٨ ، ٣٠.
(٣) راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه ، في هذا الكتاب.
(٤) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي / ٣٠٧ ـ ٣١١.