التقيّة ؛ لأن أبا حنيفة ذهب إلى ذلك لكن ما خصّص الحكم بالتيمّم ، وذهابه إلى أن ماء الأواني ولو كان كرا نجس بمجرّد ملاقاة النجاسة ، وذهاب ابن الجنيد إلى جواز العمل بالقياس ، وذهاب ابن أبي عقيل إلى عدم انفعال الماء القليل بورود النجاسة عليه) (١) انتهى كلامه ، زيد إكرامه (٢).
أقول : ولي فيما ذكره في هذا المقام نظر من وجوه :
الأول : أن ما ادّعاه من أن (أكثر أحاديثنا صارت دلالتها قطعية) ـ إلى آخره ـ فيه أن القرائن التي ذكرها لا يكاد يشم منها رائحة ما ادعاه ، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.
نعم ، لا ريب أن الدلاله بالنسبة إلى من خوطب بتلك الأحكام في تلك الأيام كانت قطعية لظهور القرائن الحالية والمقالية لهم ، إلّا إنها قد خفيت علينا في هذه الأزمان بامور عديدة أوجبت لنا الإشكال والداء العضال.
وقصارى ما يحصل لنا بسبب تلك القرائن ـ إن وجدت ـ هو ظهور الدلالة ، ومراتبه متفاوتة شدة وضعفا بسبب تلك القرائن ظهورا وخفاء ، وقربا وبعدا ، وقلّة وكثرة. فمن تلك الامور التي أوجبت ما قلنا ما عليه الأخبار في أكثر الأحكام من التناقض والتدافع ، وتعسّر الجمع بينها غالبا إلّا على وجه ظنّي ، غايته الغلبة على بعض الأفهام والاعتماد على المرجّحات المرويّة في دفع ذلك ، كما لا يخفى ما فيه من الإشكال كما حققناه في الدرّة المتقدّمة في شرح مقبولة عمر ابن حنظلة لا سيما في الفائدة العاشرة (٣).
على أنه وإن حصل الترجيح بأحدهما ، فإنه لا يخرج عن غلبة الظنّ ، ولا
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٥٩.
(٢) في «ح» : مقامه.
(٣) انظر الدرر ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٩.