وهم جماعة قليلة نشؤوا في زمن الغيبة الكبرى أولهم الأقدمان : ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل في ما أظن ، ثم بعدهما نسج على منوالهما الشيخ المفيد ، ثم ابن إدريس الحلي ، ثمّ العلّامة الحلّي ، ثم من وافقه من المتأخرين ـ معذورين من جهة غفلتهم عن أن سلوك طريقة الاستنباطات الظنيّة مناقض لما هو من ضروريات مذهبنا ، من أنه صلىاللهعليهوآله بعد ما جاء في كلّ واقعة تحتاج إليها الأمة [إلى يوم القيامة] بحكم وخطاب قطعيّ ، وأودع كل ما جاء به عند الأئمَّة عليهمالسلام ، وأمر الناس بسؤالهم في كل ما لا يعلمون (١) والردّ إليهم والتمسك بكلامهم (٢) ، وهم عليهمالسلام مهدوا اصولا لرجوع الشيعة إليها ، لا سيّما في زمن الغيبة الكبرى.
ومن القسم الثاني من الاختلاف ذهاب شيخنا المفيد قدسسره (٣) إلى جواز التمسّك بالاستصحاب في نفس أحكامه تعالى وفي نفيها. وقد مرّ توضيحه في مسألة من دخل في الصلاة بتيمّم لفقد الماء ، ثم وجد الماء في أثنائها ، وذهابه إلى أنه من دخل في الصلاة بوضوء (٤) وسبقه الحدث ، فإنه يتوضأ ويستأنف الصلاة ، مع أنه تواترت الأخبار بأن الحدث في أثناء الصلاة ينقضها. والباعث على ذلك أنه كان في بعض الأحاديث لفظ : «أحدث» فسبق ذهنه إلى حمله على وقوع الحدث من المصلّي وغفل عن احتمال أن يكون [المراد] : مطر السماء ، بل هذا الاحتمال أظهر معنى كما حققناه في بعض كتبنا) (٥).
إلى أن قال : (هذا كله بعد التنزل عن حمله على التقيّة ، والصواب حمله على
__________________
(١) الكافي ١ : ٢١٠ ـ ٢١٢ / ١ ـ ٩ ، باب أن أهل الذكر الذين أمر الله .. الخلق بسؤالهم هم الأئمَّة عليهمالسلام.
(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠ ، باب اختلاف الحديث ، عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ـ ١٣٥ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.
(٣) المقنعة (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ١٤ : ٦١.
(٤) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : بتيمّم.
(٥) الفوائد المدنيّة : ١٥٨ ـ ١٥٩.