سلمناه ، لكن إلزام المكلف بالأثقل مظنة الريبة ؛ لأنه إلزام مشقة لم يدلّ الشرع عليها ، فيجب اطّراحها بموجب الخبر.
والجواب عن الثاني أن نقول : البراءة الأصلية مع عدم الدلالة الناقلة حجة ، وإذا كان التقدير عدم الدلالة الشرعية على الزيادة في المثال المذكور كان العمل بالأصل أولى. وحينئذ لا نسلم اشتغالها مطلقا ، بل لا نسلم اشتغالها إلا بما حصل الاتفاق عليه ، أو اشتغالها بأحد الأمرين. ويمكن أن يقال : قد أجمعنا على الحكم بنجاسة الإناء ، واختلفنا فيما به يطهر ، فيجب أن نأخذ بما حصل الإجماع عليه في الطهارة ، ليزول ما أجمعنا عليه من النجاسة بما أجمعنا عليه من الحكم بالطهارة) (١) انتهى كلامه زيد مقامه. وفيه نظر من وجوه :
أحدها : أن ما جعله موضوعا (٢) للنزاع من مسألة إناء الولوغ ونحوها ليس كذلك على إطلاقه ؛ لأنّه مع تعارض الأدلة ، فللناظر الترجيح بينها والعمل بما ترجّح في نظره من أدلّة أي الطرفين. وحينئذ ، فلا مجال هنا للقول بوجوب الاحتياط. وأما الاحتياط (٣) ، فيمكن إذا ترجح عنده الأقل ، فإنّه يمكن حمل الزائد على الاستحباب كما هو المعروف عندهم في أمثال ذلك.
نعم ، مع عدم الترجيح ، فالمتّجه ـ كما سيأتي تحقيقه ـ وجوب الاحتياط في العمل والتوقّف في الحكم.
وثانيها : ما أجاب به أولا عن الخبر المذكور ، فإنه مبنيّ على اشتراط القطع في الاصول ، أو عدم العمل بالآحاد مطلقا. وكلاهما محل نظر.
أما الأول ، فلعدم الدليل عليه ، ومن تأمل اختلافاتهم في الاصول ، وتكثر أقوالهم وادعاء كل منهم التبادر على خلاف ما يدعيه الآخر ، علم أن البناء على
__________________
(١) معارج الاصول : ٢١٦ ـ ٢١٧ ، باختلاف يسير.
(٢) سقط في «ح».
(٣) في «ح» : الاستحباب.