وأما عن صحيحة أبي بصير (١) ، فهي على ظاهرها مخالفة للأصول الشرعية والضوابط المرعية ، فإن ظاهرها جواز شراء مال السرقة والخيانة وإن عرف صاحبه وهذا ممّا اتّفقت كلمة الأصحاب والأدلّة الشرعية من آية قرآنية وسنة نبوية على بطلانه.
ولهذا أن المحدّث الكاشاني الذي هو أحد القائلين بهذا القول المذكور في كتاب (الوافي) بعد نقل الرواية المذكورة قال ما صورته : (بيان الاختلاط إنما يتحقّق إذا تعذّر التمييز ، ثم إن عرف صاحبها صالحه عليها ، وإلّا تصدق عنه) (٢) انتهى.
وهو كما ترى تأويل للرواية بما ترجع به إلى الاصول المقرّرة والقواعد المعتبرة. ولو قيل بالعمل بما دل عليها ظاهرها للزم منه المفاسد التي قدّمناها في الوجه الرابع من أدلة القول المشهور.
والأظهر عندي في تأويل الصحيحة المشار إليها هو حمل الاختلاط على الاشتباه ، وذلك فإن المتبادر من لفظ الاختلاط وإن كان هو الامتزاج والاجتماع والتداخل ، كما في خلط اللبن بالماء ، وخلط الحنطة بالشعير ، وخلط الدراهم جيدها برديئها ، ونحو ذلك ، لكن هذا ليس بمراد في الخبر قطعا ؛ لما عرفت من وجوه الفساد المترتبة عليه ، بل المراد به الاشتباه ، وذلك بأن يسرق السارق شيئا ، ثم يرى في يده شيء يبيعه يشبه ما سرقه من غير أن يعلم كونه هو المسروق ، وإن كان هو هو في الواقع ونفس الأمر ، فإنه يجوز شراؤه اتفاقا ؛ بناء على حمل تصرف المسلم على الصحة وإن كان فاسقا. فمعنى قوله عليهالسلام : «إلّا أن يختلط بغيره» يعني إلّا أن يشتبه بغيره ، لا بمعنى يمتزج به ، ويجتمع معه ويداخله.
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٨ ، وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٥ ، أبواب عقد البيع وشروطه ، ب ١ ، ح ٤.
(٢) الوافي ١٧ : ٢٩٠.