وجملة المتأخّرين من الأخباريين كصاحب الكتاب ، بل هو أوّلهم ، وحذا حذوه المحدّث الكاشاني قد اطنبوا في الطعن على من قال من الاصوليّين بالتثنية ، حيث إن ذلك مخالف لما استفاضت به الأخبار من التثليث كما أوضحناه في درّة البراءة الأصليّة (١) ، مع أن الصدوق ـ وهو رئيسهم الذي يلتجئون إليه ويعوّلون في هذه المقالة عليه ـ قد خالف (٢) ذلك ، كما هو صريح كلامه في كتاب (الاعتقادات) وإن كان كلامه في كتاب (الفقيه) ربّما يقبل التأويلات التي ذكروها ، إلّا إنه في عبارة الاعتقادات لا يتمشى لهم ذلك.
هذا وعندي فيما اختاره في كتاب (الفقيه) من جواز القنوت بالفارسيّة استنادا إلى الصحيحة المتقدّمة نظر ؛ فإن الظاهر أن المراد منها هو التكلم والدعاء بكل شيء من المطالب الدينيّة أو الدنيويّة لا باعتبار اللغات المختلفة. ويؤيده التعبير بالتكلّم ؛ فإنه لغة في الكلام العربي ، ولم أطّلع على موافق من الأخباريّين للصدوق في ذلك ، بل صرّح بعض مشايخنا المعاصرين من الأخباريّين بما ذكرناه من معنى الرواية ، وردّ على الصدوق فيما فهمه منها.
ولا يخفى أن هذا المعنى إن لم يكن أقرب مما ذكره ، فلا أقلّ أن يكون مساويا في الاحتمال ، وبه لا يتم الاستدلال. وأما أنه بمجرّد عدم ورود (٣) النهي عن الدعاء بالفارسيّة يكون ذلك مجوّزا للدّعاء بها في الصلاة ، ففيه أن العبادة توقيفيّة من الشارع يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشرع بقول أو فعل أو تقرير ، وأحد الثلاثة لم يرد عنهم عليهمالسلام في جواز القنوت بالفارسية ، وإلّا للزم أيضا جواز الذكر في الركوع والسجود بالفارسيّة ؛ بناء على أن الواجب فيهما
__________________
(١) انظر الدرر ١ : ١٥٥ ـ ١٨٦ / الدرة : ٦.
(٢) في «ح» بعدها : في.
(٣) من «ح».