أخبارهم للاستحباب والكراهة مردود بأنه إن كان دلالة تلك الأوامر والنواهي باعتبار قرائن قد اشتملت عليها تلك الأخبار حتى دلّت بسببها على الاستحباب والكراهة ، فهو لا يقتضي حمل ما لا قرينة فيه على ذلك ، وهل هو إلّا مع وجود الفارق؟ وإلّا فهو عين المتنازع فيه (١) ، فلا يتم الاستدلال. وهذا بحمد الله سبحانه واضح المقال (٢) لمن يعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال.
وثالثها : أن ما قدّمنا من الآيات والأخبار الدالة على فرض طاعتهم ووجوب متابعتهم عامة شاملة لجميع الأوامر والنواهي ، إلّا ما دلّت القرائن على خروجه.
فحينئذ ، لو حمل الأمر والنهي الوارد في كلامهم بدون القرائن الصارفة على الاستحباب والكراهة المؤذن بجواز الترك في الأول والفعل في الثاني ، لم يحصل العلم بطاعتهم ولا اليقين بمتابعتهم ، وكان المرتكب لذلك في معرض الخوف والخطر والتعرّض لحرّ (٣) سقر ؛ لاحتمال كون (٤) ما أمروا به إنما هو على وجه (٥) الوجوب والحتم ، وما نهوا عنه إنما هو على جهة التحريم والزجر. بل هو ظاهر تلك الأوامر والنواهي بالنظر إلى ما قلنا إلّا مع الصارف ، بخلاف ما إذا حملا على الوجوب والتحريم فإن المكلف حينئذ متيقن البراءة والخروج من العهدة.
ولو قيل : إن الحمل على الاستحباب والكراهة معتضد بالبراءة الأصلية ، إذ الأصل براءة الذّمة حتى يقع دليل قاطع على ما يوجب شغلها.
قلنا : فيه :
أولا : ما عرفت في مسألة (٦) البراءة الأصلية ـ كما تقدم تحقيقه في الدرّة (٧) التي
__________________
(١) من «ح».
(٢) في «ح» : المجال.
(٣) في «ح» : بحر.
(٤) في «ح» : كونها.
(٥) من «ح».
(٦) من «ح».
(٧) انظر الدرر ١ : ١٥٥ ـ ١٨٦ / الدرة : ٦.