في المسألة المذكورة ـ من عدم قيام الدليل عليها ، بل قيامه على خلافها.
وثانيا : أنه بعد ورود الأمر والنهي مطلقا لا مجال للتمسّك بها ؛ إذ المراد بها ؛ إما أصالة البراءة قبل تعلق التكاليف ، وحينئذ فبعد التكليف لا مجال لاعتبارها وإما أصالة البراءة ؛ لعدم الاطلاع على الدليل. والحال أن الدليل في الجملة موجود.
نعم يبقى الشكّ في الدليل ، وتردّده بين الوجوب والاستحباب والتحريم والكراهة ، وهذا أمر آخر ، فالخروج من قضية البراءة الأصلية معلوم.
وبالجملة ، فأصالة البراءة عبارة عن خلوّ الذمّة من تعلق التكليف مطلقا إيجابيا أو ندبيّا ؛ وهو هنا ممتنع بعد وجود الدليل ولو في الجملة.
ورابعها : أنه لا أقل أن يكون الحكم بالنظر إلى ما ذكرنا من الآيات والروايات من المتشابهات التي استفاضت الأخبار بالوقوف فيها على ساحل الاحتياط : «حلال ، بين وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن تجنب (١) الشبهات نجا من الهلكات» (٢).
ومن الظاهر البيّن أن الاحتياط في جانب الوجوب والتحريم هذا.
وما اعتضد به شيخنا أبو الحسن قدسسره في كتاب (العشرة الكاملة) ، حيث اقتفى أثر اولئك القوم في هذه المقالة ، من أن الصدوق رحمهالله في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ، قد حمل كثيرا من الأوامر على الندب (٣) ، وجمّا غفيرا من النواهي على الكراهة والتنزيه (٤) ، ففيه أنه إن كان ذلك كذلك ، فيمكن حمله على ظهور قرائن
__________________
(١) في المصدر : ترك.
(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠ ، باب اختلاف الحديث ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.
(٣) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ذيل الحديث : ١٠٤٢ ، و ٢ : ٢٣٧ / ذيل الحديث : ١١٢٩.
(٤) الفقيه ٢ : ٩٠ / ذيل الحديث : ٣٩٩ ، و ٢ : ٩٣ / ذيل الحديث : ٤١٦.