إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبّع الخبير ويعرفها الناقد البصير.
وبالجملة ، فادعاء توافق الأفهام عند الأخباريّين خاصّة من بين الأنام أمر يكذبه العيان ، ويشهد ببطلانه الإنس والجان ، وبذلك يظهر لك ما في دعواه بقطعيّة دلالة الأخبار بمعونة القرائن التي ذكرها ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لم يجز أن يكون محلّا للاختلاف ؛ لأن الاختلاف لا يقع في الامور المعلومة من حيث كونها معلومة (١) ، وإنما يقع في الامور المظنونة ؛ لاختلاف الأفهام والظنون.
اللهم (٢) إلّا أن يكون الأمر معلوما لواحد بوجوه من القرائن غير معلوم للآخر ، مع دعواه معلومية خلافه ، فدعواه المعلوميّة حينئذ باطلة ، إلّا إن ذلك يدّعي العلم بوجوه من القرائن أيضا.
وحينئذ ، فلا بدّ من حمل ما يدّعيانه على الظن الناشئ من اختلاف الأفهام في مبادئ الإدراك كما ندّعيه ، أو صدق أحدهما وكذب الآخر فيما يدّعيه. وحينئذ ، يصير دعواه للعلم كذبا وافتراء على الله سبحانه. وعلى هذا فيقع الأخباريّون فيما شنعوا به على المجتهدين من القول على الله من غير علم ولا يقين ، ولا سيّما هذين المحدّثين المتأخّرين : المحسن الكاشاني (٣) ، والأمين الأسترابادي (٤) اللذين
__________________
(١) وإنما قلنا : (من حيث كونها معلومة) ؛ لأن المعلوم ـ من حيث عدم العلم به يقع محلّا للاختلاف ؛ إما أن يعلمه واحد لحصول أسباب العلم له ولا يعلم آخر بعدم ذلك ، أو لظن محل الاختلاف ـ يجب أن يكون متفقا على معلوميته عند كل من تصوّره وعرفه. فالأخباريون حيث يدّعون المعلوميّة في الأحكام الشرعيّة لا يجوز منهم بمقتضى ذلك الاختلاف فيها ، والمشافهة منهم خلاف كما عرفت. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
(٢) اللهم : لفظ يؤتى به فيما في ثبوته ضعف ، وكأنه يستعان به تعالى في إثباته وتقويته. الفوائد العلية في شرح التحفة الدمستانية : ٦٨ / الهامش : ١.
(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٥.
(٤) الفوائد المدنيّة : ٤٠.