أقول : وقد سبق إلى هذه المقالة الإمام الرازي حيث قال : (هذه الأشياء المسمّاة بالبراهين لو كانت في أنفسها براهين لكان كل من سمعها ووقف عليها وجب أن يقبلها وألّا ينكرها أصلا.
وحيث نرى أن الذي يسميه أحد الخصمين برهانا فإن الخصم الثاني يسمعه ويعرفه ولا يفيد له ظنا ضعيفا ، علمنا أن هذه الأشياء ليست في أنفسها براهين ، بل هي مقدمات ضعيفة انضافت العصبية والمحبة إليها فتخيّل بعضهم كونها برهانا مع أن الأمر في نفسه ليس كذلك. وأيضا فالمشبّه يحتج على القول بالتشبيه بحجة (١) ، ويزعم أن تلك الحجّة أفادته الجزم واليقين :
فإما أن يقال : إن كل واحدة من هاتين الحجتين صحيحة يقينية ، فحينئذ يلزم صدق النقيضين وهو باطل.
وإما أن يقال : إحداهما صحيحة والاخرى فاسدة ، إلّا إنه متى كان الأمر كذلك كانت مقدمة واحدة من مقدمات تلك الحجّة باطلة في نفسها ، مع أن الذي تمسّك بتلك الحجة جزم بصحة تلك المقدمة ابتداء.
فهذا يدل على أن العقل يجزم بصحة الفاسد جزما ابتداء ، فإذا كان كذلك كان العقل غير مقبول القول في البديهيات ، وإذا كان كذلك ، فحينئذ [تنسدّ] (٢) جميع الدلائل.
فإن قالوا : إن العقل إنما جزم بصحة ذلك الفاسد بشبهة متقدمة.
فنقول : قد حصل في تلك الشبهة المتقدمة مقدمة فاسدة ، فإن كان ذلك لشبهة اخرى لزم التسلسل ، فإن كان ابتداء فقد توجّه الطعن.
وأيضا فإنا نرى الدلائل القويّة في بعض المسائل العقلية متعارضة ، مثل
__________________
(١) في «ح» : لحجة.
(٢) من المصدر ، وفي «ق» : تفسد.