من الوجوه فأخذ به وعمل عليه ، فلو فرض خطؤه واقعا ؛ لقصور فهمه مثلا ، أو لعذر آخر خارج عن وسعه وجهده ، فهو غير مؤاخذ ولا مستحقّ للذمّ والتأثيم ؛ إذ هو أقصى تكليفه من العليم الحكيم. وحديث العابد الذي كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر المشعر باعتقاده التجسيم كما رواه في كتاب العقل والجهل من (الكافي) (١) مؤيّد لما ذكرناه ومحقّق لما أسطرناه ؛ فإنه إذا استحقّ الثواب على عبادته مع دلالة ظاهر الخبر على ما ذكرنا من اعتقاده التجسيم من حيث إن هذا أقصى ما رزق من العقل ، فبطريق الأولى ما نحن فيه ، كما لم يخفى على الفطن النبيه.
الرابع : ما ذكره في القسم الثاني من قسم الاختلاف في الفتاوى من أن (سببه الاستنباطات الظنيّة ، ومن المعلوم أنه لم يرد إذن من الله في ذلك) ـ إلى آخره ـ وفيه بعد ما قدّمنا بيانه وشددنا أركانه من وقوع الاختلاف في الأحكام باختلاف الأنظار والأفهام ، أنه كان ذلك الاستنباط المشار إليه ناشئا عن شيء من الأدلّة العقلية والقواعد الاصوليّة الخارجة عن (الكتاب العزيز) والسنّة النبويّة ، فما ذكره مسلّم ، وإلّا فهو ممنوع. وكيف لا ، وقد عرفت مما قدّمنا أن التكليفات الإلهيّة إنما وقعت منه سبحانه على قدر ما رزقه من العقول والأذهان ، وأن الناس فيها يختلفون بالزيادة والنقصان؟
وهذه الاستنباطات الظنيّة التي يكررها في غير مقام ويشنّع بها على سائر العلماء الأعلام ، ليست إلّا عبارة عمّا ذكرنا من النظر في الدليل بما رزقوه من العقول والأفهام ، والعمل بما فهموه من ذلك الدليل من نقض وإبرام.
نعم ، قد يدّعى أن ما يفهمه وكذا من حذا حذوه يسمى علما لا ظنا ، وسائر
__________________
(١) الكافي : ١ : ١١ ـ ١٢ / ٨.