المجتهدين يطلقون عليه الظنّ ، وإلّا فالجمع مشتركون في استنباط من الدليل الشرعي ؛ فإنّا نرى الأخباريّين والمجتهدين مشتركين في استفادة جملة من الأحكام من (الكتاب) والسنّة ، ولكن أحدهما يدّعي كون ما فهمه واستفاده معلوما محققا ، ويسمّيه علما ، والآخر يسمّيه ظنّا. وحينئذ ، فقصارى غلط المجتهدين في التسمية خاصة ، وهو لا يوجب قدحا ولا تشنيعا.
نعم ، لو كان ذلك الاستنباط من غير أدلّة (الكتاب) والسنّة اتّجه ما ذكره ، إلّا إن كلامه فيما هو أعمّ من ذلك ، وأما ما ذكره من الأخبار الدالّة على أن المفتي ضامن ويلحقه وزر من عمل بفتياه (١) ، فالظاهر حمله على من تجاوز الأوامر الشرعيّة وتعدّى الحدود المقررة المرعية ؛ إما بعدم إعطاء الوسع حقه من التتبّع فيما ينضاف إلى ذلك الدليل من مقيّد ، أو مخصّص ، أو ناسخ ، أو نحو ذلك مما يدخل في هذا القبيل ، أو بأخذ الأحكام بطريق الرأي والقياس المنهيّ عنه في الأخبار (٢) ، أو البناء على بعض القواعد الاصولية والضوابط الخارجة عن أدلة (الكتاب) والسنّة وإلّا فمن أخذ الأحكام من (الكتاب) (٣) ، بعد بذل الجهد في الفحص والتتبّع لما يتعلّق بها ، وأدّاه فهمه إلى شيء منها ، كيف يكون مؤاخذا لو فرض قصور فهمه ونقصان ذهنه عن معرفة الحكم الواقعي ، وقد أتى بما امر به وامتثل ما رسم له؟
ولعلّ المراد ـ والله سبحانه أعلم ـ من الآية المذكورة : أن من لم يحكم بما
__________________
(١) انظر : الكافي ١ : ٤٢ / ٣ ، باب النهي عن القول بغير علم ، و ٧ : ٤٠٩ / ٢ ، باب أن المفتي ضامن ، تهذيب الأحكام ٦ : ٢٢٣ / ٥٣١ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٢٢٠ ، أبواب آداب القاضي ، ب ٧ ، ح ١.
(٢) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٥ ـ ٦٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٦.
(٣) وإلّا فمن .. الكتاب ، سقط في «ح».