أنزل الله ـ يعني من لم يستند في حكمه إلى ما أنزل الله تعالى من آية قرآنية أو سنّة نبويّة ـ فهو كذلك ، والمفروض أن هذا إنما استند إليهما ، وتصير الآية المذكورة تعريضا بالمخالفين المستندين إلى الأقيسة والآراء والاجتهاد في الدين. وقد تقدّم في الدرّة الموضوعة في شرح مقبولة عمر بن حنظلة (١) في الفائدة الخامسة عشرة ما فيه مريد بيان وإيضاح لهذا المقام.
وبالجملة ، فبعد ما قرّرنا من اشتراك الأمر في تفاوت الأفهام واختلافها في إدراك الأحكام بين الأخباريّين والمجتهدين من علمائنا الأعلام فكل ما يورده من الآيات والأخبار فهو مشترك بين الجميع ، ولا اختصاص له بالمجتهدين.
الخامس : قوله : (ومن المعلوم أن كل حكم تحتاج إليه الأمّة قد أنزله الله تعالى في كتابه) ـ إلى آخره ـ وفيه أنه لا خلاف ولا إشكال في أن كلّ حكم تحتاج إليه الامّة قد أنزله الله تعالى في كتابه كما استفاضت به الآيات ، لكن من المعلوم أن ذلك مخزون عند أهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ فمنه ما بقي في زاوية الخفاء ، ومنه ما خرج ، وفي بعض ما خرج ما قدّمنا لك شرحه وبيانه. ودعواه هنا أن كل ما أنزل الله تعالى في كتابه قد ظهر منه صلىاللهعليهوآله لأمّته ، أو من الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم ـ ينافي ما ذكره في غير موضع من كتابه المذكور من المنع من التمسك بالأحاديث النبويّة ما لم ترد من طريق أهل بيته عليهمالسلام كظواهر الآيات القرآنية ، وينافي ما صرّح به أيضا من أن دعوى ظهور الأحكام كملا إنما يتجه على مذهب العامّة حيث قال في الفصل السادس من
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١٠ ، باب اختلاف الحديث ، الفقيه ٣ : ٥ ـ ٦ / ١٨ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٠١ ـ ٣٠٣ / ٨٤٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.