أحدها : قول الحكماء ، فإنهم بنوا ذلك على ما أسسوه من انطباع صور الجزئيات في النفوس المنطبعة الفلكية ، وصور الكليات في العقول المجردة وقالوا : إن النفس في حالة النوم قد تتصل بتلك المبادئ العالية ، فيحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة ، فهذه هي الرؤيا الصادقة. وقد تركب المتخيلة بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض ، وهذه هي الرؤيا الكاذبة.
وردّ هذا القول بأنّه رجم بالغيب ، وتقوّل بالظن والريب ، ولم يستند إلى دليل ولا برهان ، ولا إلى مشاهدة وعيان ، ولا إلى وحي إلهي مع ابتنائه على إثبات العقول المجردة والنفوس الفلكية المنطبعة (١) ، وهما ممّا نفتهما الشريعة المقدّسة كما تقرر في محله (٢).
وثانيها : قول المتكلمين ، قال في (المواقف) وشرحه : (وأما الرؤيا فخيال باطل عند المتكلمين ـ أي جمهورهم ـ أما عند المعتزلة فلفقد شرائط الإدراك حالة النوم من المقابلة ، و [انبثاث] (٣) الشعاع ، وتوسط الهواء الشفاف ، والبينة المخصوصة ، وانتفاء الحجاب إلى غير ذلك من الشرائط المعتبرة في الإدراكات فما يراه النائم ليس من الإدراكات في شيء ، بل هو من قبيل الخيالات الفاسدة والأوهام الباطلة.
وأما عند الأصحاب ، إذ لم يشترطوا في الإدراك شيئا من ذلك ، فلأنه خلاف العادة ـ أي لم تجر عادته تعالى بخلق الإدراك في الشخص وهو نائم ـ ولأن النوم ضد الإدراك فلا يجامعه ، فلا تكون الرؤيا إدراكا حقيقة بل (٤) من
__________________
(١) يعني أن صور ما يجري في الأرض أو في العالم العادي كالنقوش. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
(٢) انظر بحار الأنوار ٥٨ : ١٩٦ ـ ١٩٧.
(٣) من المصدر ، وفي النسختين : اثبات.
(٤) في النسختين بعدها : هو ، وما أثبتناه وفق المصدر.