في تجويف العروق الضوارب ، فيفيض منها نور حس البصر على العين ، ونور السمع على الأذن ، وكذلك سائر القوى والحركات والحواس ، كما يفيض من السراج نور على حيطان البيت إذا ادير في جوانبه.
فإن هذه الروح تتشارك البهائم فيها ، وتنمحق بالموت ؛ لأنه بخار اعتدل نضجه عند اعتدال مزاج الأخلاط ، فإذا انحلّ المزاج بطل كما يبطل النور الفائض من السراج عند انطفاء السراج بانقطاع الدهن عنه أو بالنفخ فيه ، وانقطاع الغذاء عن الحيوان يفسد هذه الروح ؛ لأن الغذاء له كالدهن للسراج ، والقتل له كالنفخ في السراج.
وهذه الروح هي التي يتصرّف في تقويمها وتغذيتها علم الطب. ولا تحمل هذه الروح المعرفة والأمانة ، بل الحامل للأمانة الروح الخاصة للإنسان. ونعني بـ (الأمانة) : تقلد عهدة التكليف بأن يتعرّض لخطر الثواب والعقاب) (١) انتهى.
غاية الأمر أنه عليهالسلام في هذا الخبر سمى الخارجة نفسا ، والباقية روحا ، ولكن في خبر (المناقب) (٢) قد عكس فسمى الخارجة روحا ، والباقية نفسا.
وفي الخبر المروي عن أبي الحسن عليهالسلام من كتاب (جامع الأخبار) ، قد أطلق على كل من الخارجة والباقية : الروح ، ولا منافاة.
بقي الكلام في الجمع بين هذه الأخبار وبين باقي الأخبار الدالة على أنها روح واحدة أصلها في البدن ، كرواية (٣) محمد بن القاسم النوفلي (٤) ، ورواية أبي بصير (٥) المنقولة في كتاب (جامع الأخبار) ، حيث دلتا على أنها روح واحدة أصلها في البدن كالشمس المركوزة في الفلك وضياؤها وشعاعها في أقطار
__________________
(١) الأربعين في اصول الدين : ١٦٦.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٢ : ٣٩٨.
(٣) في «ح» : كروايات.
(٤) انظر جامع الأخبار : ٤٩٨ / ١٣٦٧.
(٥) انظر جامع الأخبار : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ / ١٣٦٠.