وقد شاهدنا ناصبيا تشيّع وأخبرنا في حال تشيعه أنه يرى منامات بالضدّ ممّا كان يراه في حال نصبه. فبان بذلك أن أحد المنامين باطل وأنه من نتيجة حديث النفس أو من وسوسة إبليس ، ونحو ذلك. وإن المنام الصحيح هو لطف من الله تعالى بعبده على المعنى المتقدم وصفه.
وقولنا في المنام الصحيح : إن الإنسان إذا رأى في نومه النبي صلىاللهعليهوآله إنّما معناه : أنه كان قد رآه ، وليس المراد به التحقيق في اتّصال شعاع بصره بجسد النبي صلىاللهعليهوآله ، وأيّ بصر يدرك به في حال نومه؟ وإنما هي معان تصوّرت في نفسه يخيل له فيها أمر لطف الله تعالى له به قام مقام العلم ، وليس هذا بمناف للخبر الذي روي من قوله : «من رآني فقد رآني ..» ؛ لأن معناه : فكأنما رآني) (١) انتهى كلامه زيد مقامه.
وقال السيد المرتضى رضياللهعنه في تتمة ما قدمنا نقله عنه في المقام (٢) الأول : (فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه صلىاللهعليهوآله من قوله : «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي» ، وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلىاللهعليهوآله في النوم ويخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر الآخر؟ فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا؟
قلنا : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معوّل على مثل ذلك. على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأن الشيطان لا يتمثل بي لليقظان ، فقد قيل : إن الشياطين ربما تمثلت بصور البشر. وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ؛ لأنه قال : «من رآني فقد رآني ..» ، فأثبت غيره رائيا له ، ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي له في
__________________
(١) عنه في كنز الفوائد ٢ : ٦٤ ـ ٦٥.
(٢) ليست في «ح».