وموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يصلي بين القبور ، فقال : «لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه وبين القبر إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثم يصلي إن شاء» (١).
وروى الصدوق في (الفقيه) مرسلا قال : قال النبي صلىاللهعليهوآله : «لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فإن (٢) الله عزوجل لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (٣).
فهذه جملة من الأخبار الواضحة في المنع من الصلاة خلف القبر ، المؤيّدة بعمل الأصحاب قديما وحديثا. ومتى امتنع الصلاة خلفه لم يبق بالنظر إلى الأخبار إلّا الصلاة عند الرأس ، لما عرفت من الأخبار المتقدّمة الناصّة على ذلك.
السادس : أن هذه الأخبار الدالة على المنع من الصلاة خلف القبر أكثر عددا وأوضح سندا من ذلك الخبر ، مع اعتضادها بعمل الأصحاب ، كما عرفت ؛ فهي أولى بالعمل عليها والأخذ بما فيها ، مع أن ذلك القائل لا يرتضيه ، فما باله قد اولع بالتشنيع والقول الفظيع على من خالف تلك الرواية بزعمه؟ وإلّا فقد عرفت أنه ليس من المخالفة في شيء لما بيّناه في الوجه الثالث. وهو قد خالف هذه الأخبار التي عكف على العمل بها جملة علماء الأمصار في جميع الأعصار.
فإن اعتذر بأن هذه الأخبار قد ورد بإزائها ما يوجب تأويلها وإخراجها عن ظاهرها.
قلنا : لا مندوحة لك عن الكراهة البتة ، وهو وجه الجمع بين ما دل على الجواز وما دل على المنع ، فلتحمل تلك الرواية ـ مع إرخاء العنان وتسليم صحتها في
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٣ ، باب الصلاة في الكعبة وفوقها .. ، وسائل الشيعة ٥ : ١٦١ ، أبواب مكان المصلّي ، ب ٢٦ ، ح ٥.
(٢) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : وإن.
(٣) الفقيه ١ : ١١٤ / ٥٣٢ ، وسائل الشيعة ٥ : ١٦١ ، أبواب مكان المصلي ، ب ٢٦ ، ح ٣.