أئمّتهم عليهمالسلام مثل هذا الكلام أن يستحلّوا بعد ذلك نقل ما لا يثقون بصحته ، ولا يعتمدون على حقيقته؟! بل من المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم أنهم لا يروون ولا يذكرون في مصنفاتهم إلّا ما اتضح لهم فيه الحال أنه في الصدق والاشتهار كالشمس في دائرة النهار ، كما سمعت من حال يونس.
وهذا كان دأبهم عليهمالسلام في الهداية لشيعتهم ، يوقفونهم على جميع ما وقع وما عسى أن يقع في الشريعة من تغيير وتبديل ؛ لأنهم ـ صلوات الله عليهم ـ حفّاظ الشريعة وحملتها وضبّاطها وحرسها ، ولهم نوّاب فيها من ثقات أصحابهم وخوّاص رواتهم ، يوحون إليهم أسرار الأحكام ، ويوقفونهم على غوامض الحلال والحرام ، كما قد روي ذلك بأسانيد عديدة (١).
على أن المفهوم من جملة من الأخبار أن تلك الأحاديث المكذوبة كلّها كانت من أحاديث الكفر والزندقة والغلوّ والإخبار بالغرائب ، فمن ذلك ما رواه في الكتاب المتقدم عن يونس عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي (٢) عليهالسلام ، ثم يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يثبتوها في الشيعة ، وكل ما كان في كتب أصحاب أبي (٣) عليهالسلام من الغلو ؛ فذاك ممّا دسّه (٤) المغيرة بن سعيد في كتبهم» (٥).
وبإسناده عن حماد عن حريز قال : قال ـ يعني أبا عبد الله عليهالسلام ـ : «إنّ أهل
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ ـ ١٥٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١.
(٢) في «ح» بعدها : عبد الله.
(٣) في «ح» بعدها : عبد الله.
(٤) في «ح» : لممارسة.
(٥) اختيار معرفة الرجال : ٢٢٥ / ٤٠٢.