من السماع من الشاهد ، لا مجرد نقله في كتابه ، فإنه لا يكفي في كونه شهادة.
هب أنه يكفي في ذلك ، فما الفرق بين هذا النقل في هذه الكتب ، وبين نقل أولئك الأجلّاء الذين هم أساطين المذهب صحة ما رووه في كتبهم ، وأنها مأخوذة عن الصادقين عليهمالسلام ، فيعتمد عليهم في أحدهما دون الآخر؟
وأما ثالثا ، فلمخالفتهم أنفسهم فيما قرّروه من ذلك الاصطلاح ، حيث حكموا بصحة جملة من الأحاديث التي هي ضعيفة بمقتضى ذلك الاصطلاح ، فخرجوا عن مقتضى اصطلاحهم فيها ، كمراسيل ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، وغيرهما ؛ زعما منهم أن مثل هؤلاء لا يرسلون إلّا عن ثقة ، ومثل بعض الأحاديث الضعيفة المشهور عمل المتقدّمين بها ، فيتستّرون لأجل العمل بها بكونها مجبورة بالشهرة ، ومثل أحاديث جملة من مشايخ الإجازة الذين لم يذكروا في كتب الرجال بمدح ولا قدح ؛ زعما منهم أن هؤلاء مشايخ الإجازة ، وهم مستغنون عن التوثيق. وأمثال ذلك كثير يظهر بالتتبّع (١).
وأما رابعا ، فلاضطراب كلامهم في الجرح والتعديل على وجه لا يقبل الجمع والتأويل ، فترى الواحد منهم يخالف نفسه فضلا عن غيره ، فهذا يقدم الجرح على التعديل ، وهذا يقول : لا يقدم إلّا مع إمكان الجمع ، وهذا يقدم النجاشي على الشيخ ، وهذا ينازعه ويطالبه بالدليل.
وبالجملة ، فالخائض في الفن يجزم بصحة ما ادّعيناه ، والبناء من أصله لمّا كان على غير أساس كثير الانتقاض فيه والالتباس.
السادس : أن أصحاب هذا الاصطلاح قد اتفقوا على أن مورد التقسيم إلى الأنواع الأربعة المذكورة إنما هو خبر الواحد العاري عن القرائن ، وقد عرفت من
__________________
(١) في «ح» مشطوب عنها ، وقد وضعت عليها علامة تصحيح لكن لم يشر لها في الهامش.