وعليه أيضا يدلّ الدليل العقلي المسلّم بين كافة العلماء الأبرار هو خلاف ما ذكروه ، نوّر الله تعالى مراقدهم ، وأعلى في الخلد مقاعدهم. ولنا على ذلك وجوه :
الأوّل : عدم الدليل على التكليف المذكور ، وهو دليل العدم كما هو المسلّم بينهم ، والمشهور ، وما استدلّ به العلّامة رحمهالله مما سيأتي نقله وإيراده سيظهر لك بطلانه وفساده.
الثاني : أنه لا ريب أن التكليف بالأحكام موقوف على معرفة المكلّف بها والمبلّغ لها والتصديق بهما (١) ؛ إذ متى كان جاهلا بهما كيف يتصوّر عقلا تكليفه بالأخذ بأوامرهما ونواهيهما؟ وبعبارة اخرى : ومتى لم يعرفهما ولم يصدق بهما ، فكيف يجب عليه العمل بشيء لا يعرف الأمر به ، ولا المبلغ له؟
الثالث : أنه قد اتّفقت الأدلّة العقليّة والنقليّة على معذوريّة الجاهل بالحكم الشرعي جهلا ساذجا ، كما تقدّم لك بيانه بأوضح بيان ، وإيضاحه بالدليل الساطع البرهان في الدرّة الثانية (٢) من درر هذا الكتاب ، فارجع إليه إن شئت لترى ما هو العجب العجاب. ولا ريب أن ما نحن فيه من هذا الباب.
نعم ، هو مكلّف بالبحث والنظر كغيره من سائر الجهّال إذا علم وجوبهما بالعقل والشرع ، وإلى ما ذكرنا في هذا الوجه يشير كلام الفاضل الملّا محمّد باقر الخراساني قدسسره في كتاب (ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد) في مسألة الصلاة في النجاسة عامدا ، حيث نقل عن الأصحاب عدم الفرق في الحكم بالإعادة وقتا وخارجا في المسألة المذكورة ، بين العالم بالحكم الشرعي أو الجاهل ، قال : (بل
__________________
(١) في «ح» : لهما.
(٢) انظر الدرر ١ : ٧٧ ـ ١١٩.