والجواب أنه لا منافاة ، فإن تفسيرهم عليهمالسلام إنما هو حكاية مراد الله تعالى ، فالأخذ بتفسيرهم أخذ بـ (الكتاب). ألا ترى أن من عمل بحديث أو بآية قد استفاد معناهما المراد منهما من استاذه أو من تفسير أو شرح ونحو ذلك لا ينسب علمه إلى ذلك الذي استفاد منه معنى الخبر أو الآية ، وإنما [ينسبه] (١) إلى الآية أو الخبر. وهذا بحمد الله تعالى ظاهر لا سترة (٢) عليه.
وأما ما لم يرد فيه تفسير عنهم عليهمالسلام ، فيجب التوقّف فيه وقوفا على تلك الأخبار ، وتقييدا لهذه الأخبار بتلك. ومن ذلك ، الآيات كقوله سبحانه (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) (٣) ، وقوله (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (٤) ، وقوله (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) (٥) ، وقوله (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٦).
والجواب أن الآيتين الاوليين لا دلالة فيهما على أكثر من استكمال (القرآن) لجميع الأحكام ، وهو غير منكور. وأما كون فهم تلك الأحكام مشتركا بين كافة الناس كما هو المطلوب بالاستدلال فلا ، كيف وجل آيات (الكتاب) سيما ما يتعلق بالفروع الشرعية كلّها ما بين مجمل ومطلق ، وعام ومتشابه لا يهتدى منه ـ مع قطع النظر عن السنة ـ إلى سبيل ، ولا يعتمد منه على دليل. بل قد ورد من استنباطهم عليهمالسلام جملة من الأحكام من الآيات ما لا يجسر عليه سواهم ولا يهتدي إليه غيرهم ـ وهو مصداق قولهم فيما تقدم : «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من
__________________
(١) في النسختين : ينسب.
(٢) في «ح» : واضح لا سترة ، وفي «ق» : ظاهر لا تستّر.
(٣) النحل : ٨٩.
(٤) الأنعام : ٣٨.
(٥) النساء : ٨٣.
(٦) محمّد : ٢٤.