وروى الكليني ـ عطر الله مرقده ـ أيضا في الكتاب المذكور بسنده إلى أبي عبد الله عليهالسلام : «طلبة العلم ثلاثة ، فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم : صنف يطلبه للجهل والمراء ، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ، وصنف يطلبه للفقه والعقل.
فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال (١) في أندية الرجال بتذاكر العلم وصفة الحلم ، قد تسربل بالخشوع ، وتخلّى من الورع. فدق الله من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه.
وصاحب الاستطالة والختل ذو خبّ وملق ، يستطيل على مثله من أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونه ، فهو لحلوائهم هاضم ، ولدينه حاطم. فأعمى الله على هذا خبره ، وقطع من آثار العلماء أثره.
وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنّك في برنسه ، وقام الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا ، داعيا مشفقا مقبلا على شانه ، عارفا بأهل زمانه ، مستوحشا من أوثق إخوانه. فشد الله من هذا أركانه ، وأعطاه يوم القيامة أمانه» (٢).
أقول : وحينئذ فإذا كانت العلماء كما ذكر عليهالسلام على هذه الصفات ، فكيف يكتفى بمجرد ظاهر العلم وعدم استيطان أحوالهم ، وتميز الفرد الذي يجوز الاقتداء به والمتابعة له من غيره ، وهل كلام زين العابدين ـ صلوات الله عليه ـ في ذلك الخبر إلّا لاستعلام هذا الفرد (٣) المشار إليه في هذا الخبر من بين هذين الفردين المشابهين له في بادي النظر. ولا ريب أنهم لاشتراكهم في ظاهر النظر فيما ذكره عليهالسلام من التعلم والخشوع والخضوع والحلم ونحو ذلك يدقّ الفرق ويحتاج إلى مزيد تلطف وتأمل.
__________________
(١) في «ح» : للقال.
(٢) الكافي ١ : ٣٦ / ٢ ، باب صفة العلماء.
(٣) في «ح» : الاستعلام ، بدل : لاستعلام هذا الفرد.