وروى في الكتاب المذكور بسنده عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١) : «يعني بالعلماء : من صدق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم» (٢).
وهذا الخبر كما ترى أوضح دلالة من أن يحتاج إلى البيان. وحينئذ ، فلا بدّ من الاطلاع على الأحوال والأفعال ، والعلم بكونها مصدّقة لما يظهر من الأقوال ، وإلّا لم يحكم بكونه عالما.
وقريب منه ما ورد عنه عليهالسلام أنه ذكر عنده قول النبي صلىاللهعليهوآله : «النظر إلى وجه العالم عبادة» ، فقال : «هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكّرت الآخرة ، ومن كان خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة» (٣).
قال المحقق الشارح المشار إليه آنفا في بيان معنى قوله عليهالسلام : «يعني بالعلماء : من صدق فعله قوله» : (هذا التصديق من آثار العلم والخشية ولوازمهما ؛ لأن العلم إذا صار ملكة راسخة في النفس مستقرة فيها ، صارت النفس نورا إليها وضوءا ربانيا ، تنقاد لها القوة الشهوية والغضبية ، وسائر القوى الحيوانية وتنقطع عن الهوى والوساوس الشيطانية ، فترى بنورها عالم الكبرياء والجبروت (٤) والجلال والعظمة الإلهية ، فيحصل لها من مشاهدة ذلك خوف وخشية وهيبة موجبة للعمل له والجد في العبادة وغاية الخضوع وعدم الإهمال لشيء من أنحاء التعظيم ، ويخاف من أن يأمر بشيء ولا يعمل به ؛ لأن ذلك إثم وخيانة ونفاق ، فيكون فعله مصدّقا لقوله قطعا.
ومما ذكرنا يعلم أن العلم والتصديق المذكور ثمرة الخشية ، والخشية ثمرة
__________________
(١) فاطر : ٢٨.
(٢) الكافي ١ : ٣٦ / ٢ ، باب صفة العلماء.
(٣) الأمالي (الطوسي) : ٤٥٤ / ١٠١٥ ، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) : ٩٢ ، بحار الأنوار ٧١ : ٧٣ / ٥٩ ، بالمعنى.
(٤) من «م».