العلم ، فمن علم يخشاه ، ومن يخشه يعمل له ويصدّق قوله فعله.
وإن أردت زيادة توضيح ، فنقول : للعلم سواء كان عمليّا أو اعتقاديا تأثير عظيم في نفس الإنسان ؛ إذ هو نور يوجب مشاهدتها [ما] في العوالم اللاهوتية وهدايتها إلى سبيل النجاة من الطبائع الناسوتية ، وجناح يورث عروجها إلى مساكن القديسين وارتقاءها إلى منازل الروحانيين. فإذا بلغت هذه المرتبة وشاهدت عظمة الرب وجلاله وكماله بعين اليقين ، حدث لها نار الخوف والخشية واشتعلت فيها ، فينعكس شعاعها وضوؤها إلى ظاهر الإنسان لما بين الظاهر والباطن من المناسبة الموجبة لسراية أثر كل منهما إلى الآخر ، فيستضيء كل عضو من أعضائه الظاهرة ، ويهتدي إلى ما خلق لأجله ، وما هو آلة لارتقائه وعروجه من الأقوال والأفعال ، ويصدّق بعض أعضائه بعضا بالتوافق والتعاون ، ويوافق ظاهره باطنه وباطنه ظاهره ، [فيفعل] (١) الحق ويقول له ويدعو إليه ويخشى منه ؛ فهو إذن عالم ربّاني ، وجسم روحاني ، ونور إلهي كامل في ذاته مكمّل لغيره) (٢) انتهى.
وأنت خبير بأن المراد بالعلم في الآية المشار إليها والخبر المذكورة فيه ـ كما ينادي به كلام الشارح المذكور ـ إنما هو علم الأخلاق العديم الآن الاتفاق (٣) لا علم البيع والسلم ، والنكاح والطلاق ، وأمثالها من العلوم الرسمية ، فإن الخشية إنما تترتب على تلك العلوم لا هذه. وبذلك يظهر لك صدق ما ادعيناه ، وقوّة ما قوّيناه ويؤيده أيضا ما ذكره الشارح في معنى قوله عليهالسلام : «تفقهوا في الدين» (٤) : (المراد بالتفقه فيه : طلب العلوم النافعة في الآخرة الجالبة للقلب إلى حضرة القدس دائما
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : فيقول.
(٢) شرح الكافي ٢ : ٧٨ ـ ٨٠.
(٣) في «ح» : العديم الاتفاق الآن.
(٤) الكافي ١ : ٣١ / ٦ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه.