يخفى على من تتبع تلك الأخبار وجاس خلال تلك الديار.
وحينئذ ، فلا معارض لهذا الخبر وأمثاله فيما ادّعيناه ، ولا مناقض له فيما قلناه ؛ وبذلك يسقط ما أطال به شيخنا الصالح بعد نقل كلام شيخه قدسسرهما من معارضة ما قدمه من الأخبار ، كرواية ابن أبي يعفور وغيرها لهذا الخبر ، وأنه يجب حمله على ما ذكروه ، أو طرحه لذلك إلى آخر ما آطال به فيما هنالك.
هذا ، ومن الأخبار الواردة في التشديد على العلماء ، ما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «قصم ظهري اثنان (١) ؛ عالم متهتّك ، وجاهل متنسك ؛ فالجاهل يغش الناس بتنسّكه ، والعالم يضرّهم (٢) بتهتكه». وقد نظم بعضهم ذلك فقال :
فساد كبير عالم (٣) متهتك |
|
وأكبر منه جاهل متنسك |
هما فتنة للعالمين عظيمة |
|
لمن بهما في دينه يتمسك (٤) |
وروى في (الكافي) عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يحدث عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال في كلام له : «العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناج ، وعالم تارك لعلمه فهذا هالك. وإن أهل النار ليتأذون من ريح (٥) التارك لعمله ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبدا إلى الله فاستجاب له وقبل منه فأطاع الله ، فأدخله الله الجنة ، وأدخل الداعي (٦) النار بتركه علمه واتّباعه الهوى وطول الأمل ، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وطول الأمل ينسي الآخرة» (٧).
وروى في الكتاب المذكور بسنده إلى علي بن الحسين عليهماالسلام قال : «مكتوب في
__________________
(١) ليست في المصدر.
(٢) في المصدر : ينفّرهم.
(٣) في «ح» عالم كبير ، بدل كبير عالم.
(٤) البيتان من الطويل. ديوان الإمام الشافعي : ١٠٢ ، منية المريد : ١٨٢.
(٥) في المصدر بعدها : العالم.
(٦) ليست في «ح».
(٧) الكافي ١ : ٤٤ / ١ ، باب استعمال العلم.