لكنهم لم يخلصوا من صفة خسيسة اخرى ، وهي حب المال وادّخاره وجمعه وإكثاره.
وبالجملة ، فلا بدّ لطالب العلم الحقيقي من تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق وذمائم الأوصاف ؛ إذ (١) العلم عبادة القلب وصلاته ، وكما لا تصحّ الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلّا بتطهير الظاهر (٢) من الأخباث والأحداث ، كذلك لا تصحّ عبادة القلب وصلاته إلّا بعد طهارته عن أخباث الأخلاق وأنجاس الأوصاف) (٣) انتهى.
أقول : انظر أيّدك الله تعالى إلى ما عليه العلماء من الأفراد في هذا الخبر وإلى الفرد المختار منها ، وهو ما ذكره الشيخ المذكور ـ توجّه الله تعالى بتاج من النور ـ بقوله : (وبالجملة) إلى آخره. وحينئذ ، فكيف لا يحتاج إلى معرفة هذا الفرد من بين هذه الأفراد وتمييزه من بينها ، كما هو المقصود من سوق ذلك الخبر والمراد؟
وقال شيخنا الشهيد الثاني ـ طيب الله تعالى مرقده ـ في الكتاب المذكور آنفا ، بعد ذكر جملة من الأخلاق النفسانية الّتي تجب المحافظة عليها فعلا أو تركا ما صورته : (والغرض من ذكرها هاهنا تنبيه العالم والمتعلم على اصولها ليتنبّه لها ارتكابا واجتنابا على الجملة. وهي وإن اشتركت بين الجميع إلّا إنها فيهما أولى ، فلذلك جعلناها من وظائفهما ؛ لأن العلم كما قاله بعض الأكابر : (عبادة القلب وعمارته ، وصلاة السر ، وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح إلّا بعد تطهيرها من الأحداث والأخباث ، فكذلك لا تصحّ عبادة الباطن إلّا بعد تطهيره
__________________
(١) سقط في «ح».
(٢) إلّا بتطهير الظاهر ، سقط في «ح».
(٣) الأربعون حديثا : ٤٢٨ ـ ٤٢٩ / شرح الحديث : ٣٦.