والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدون ؛ فإن مقصود هذا العلم ، حفظ الأموال بشروط المعاملات ، وحفظ الأبدان بالأموال ، وبدفع القتل والجراحات ، والمال في طريق الله آلة ، والبدن مركب (١). وإنما العلم المهمّ هو معرفة سلوك الطريق إلى الله ؛ وقطع عقبات القلب الّتي هي الصفات المذمومة ، فهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى ، فإذا مات متلوثا بتلك الصفات كان محجوبا عن الله تعالى ، ومن ثمّ كان العلم موجبا للخشية ، بل هي منحصرة في العالم ـ كما نبّه عليه تعالى بقوله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢) ـ أعمّ من يكون فقيها أو غير فقيه) (٣) انتهى المقصود من (٤) كلامه وهو طويل.
وقال شيخنا البهائي قدسسره في كتاب (الأربعون) في شرح حديث كميل بن زياد ما لفظه : (وقد قسم عليهالسلام الذين لهم أهلية تحمّل العلم إلى أربعة أقسام :
أولها : جماعة فسقة لم يريدوا بالعلم وجه الله سبحانه ، بل إنما أرادوا به الرياء والسمعة ، وجعلوه شبكة لاقتناص اللّذات الدنية والمشتهيات الدنيوية.
وثانيها : قوم من أهل الصلاح ، ولكن ليس لهم بصيرة في الوصول إلى أغواره والوقوف على أسراره ، بل إنما يصلون إلى ظواهره ، فتنقدح الشكوك في قلوبهم من أوّل شبهة تعرض لهم.
وثالثها : جماعة لا يتوصّلون بالعلم إلى المطالب الدنيويّة ، ولا هم عادمون للبصيرة في إحيائه بالكلية ، ولكنهم اسراء في أيدي القوّة البهيميّة ، منهمكون في ملاذّ الواهية الوهميّة.
ورابعها : جماعة سلموا من تلك الصفات الذميمة ، وسلكوا الطريقة المستقيمة ،
__________________
(١) من «ح» وفي «ق» : مركوب.
(٢) فاطر : ٢٨.
(٣) منية المريد : ١٥٤ ـ ١٥٧.
(٤) في «ح» بعدها : نقل.