الظاهر والعصبية الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا ، وبالترفق بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا ، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة علمائهم» (١) الحديث.
السادس : تعدد الأفراد لتعدّد المواد ؛ فمنهم من ليس له من العلم إلا اسمه ، وإنما هو متكلف جاهل وإن تسربل بالخضوع وأظهر التذلل والخشوع ، ومنهم العالم الخالي من التقوى ، ومنهم من هو عالم محافظ على الورع من المعايب التي توجب النزول عن أعين الخلق دون ما يوجب النزول من عين الحق ، ومنهم من هو محافظ على الورع عن الجميع غير أنه محبّ للرئاسات الدنيوية والتصدر على غيره من البرية يتوهم أن هذا أمر جائز له شرعا لما هو عليه من العلم ، وأن في ذلك إعزازا للعلم ورفعة (٢) لشأنه. وهذا هو البلاء العام الذي لا يكاد ينجو منه إلّا من أيّده الله منه بالاعتصام وقليل ما هم في الأنام.
ومما يرسّخ (٣) فساد هذا الوهم ويبين أنه من أقبح الأوهام ما رواه ثقة الإسلام (٤) وغيره (٥) من الأعلام عن محمّد بن سنان رفعه قال : قال عيسى بن مريم : «يا معشر الحواريين ، لي إليكم حاجة فاقضوها» ، قالوا : قضيت حاجتك يا روح الله. فقام ، [فغسل] (٦) أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن (٧) أحقّ بهذا يا روح الله.
فقال : «إنّ أحق الناس بالخدمة العالم ، إنما تواضعت لكم لكيما تتواضعوا [بعدي] في الناس كتواضعي لكم».
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري : ٣٠٠ / ١٤٣ ، الاحتجاج ٢ : ٥١١ / ٣٣٧.
(٢) في «ح» : رفقة.
(٣) في «ح» : يوضح.
(٤) الكافي ١ : ٣٧ / ٦ ، باب صفة العلماء.
(٥) منية المريد : ١٨٣.
(٦) من المصدر ، وفي النسختين : فقبل.
(٧) من «ح» والمصدر.