قال عيسى عليهالسلام : «بالتواضع تعمر (١) الحكمة لا بالتكبر ، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل».
ومنهم من هو كامل في التقوى والورع ، ولكنه قاصر في العلوم واستنباط الأحكام ، ويظنّ أن ما يؤدّي إليه فهمه كاف في صحة دخوله في هذا المقام وقيامه به حقّ القيام ، وإليه يشير كلام شيخنا البهائي في القسم الثاني من شرح حديث كميل كما قدمنا نقله (٢) ، ويشير إليه هذا الخبر بقوله : «فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقله فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بفعله».
إلى غير ذلك من الأفراد (٣) التي لا يكاد يحصيها قلم التعداد ، والفرد المطلوب من بينها والمراد أقل قليل ، وهي صفة لكل شريف وجليل. وهذا في الأعصار المتقدمة ، وأما الآن فربما لا يكاد يوجد إلّا أن يكون في أعيان مبهمة.
ومما يعضد ما قلناه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في كتابه المتقدم ذكره بعد ذكر الأمر ببذل الوسع في تكميل النفس ما صورته : (فإن العالم الصالح في هذا الزمان بمنزلة نبي من أنبياء بني إسرائيل ، بل هم في هذا الزمان أعظم ؛ لأن أنبياء بني إسرائيل كان يجتمع منهم في العصر الواحد ألوف ، والآن لا يوجد من العلماء إلّا الواحد بعد الواحد) (٤) انتهى.
فإذا كان هذه حال العلماء في زمانه قدسسره ، فمنه يعلم حال علماء هذا الزمان بالمقايسة.
وبالجملة ، فالفطن اللبيب والموفق المصيب إذا دقق النظر في هذا المقام ، وجده
__________________
(١) في «ح» : تعم.
(٢) انظر الدرر ٢ : ٧١ ـ ٧٢.
(٣) من «ح» ، وفي «ق» : الأخبار. وهو إشارة إلى أفراد العلماء الذين شرع بذكرهم في أوّل الأمر السادس.
(٤) منية المريد : ١٨٢.