من أعظم من مزالّ الأقدام ومداحض الأفهام ، وقلّ من وفق للنهوض به والقيام حق القيام ، ولا سيما في مثل هذه الأيام التي قد اندرست فيها معالم الإسلام ، وطمست رسوم الدّين المبين وعفت آثاره بين الأنام بتلبّس المفسدين بلباس العلماء الأعلام ، وتصدّرهم للنقض والإبرام في كلّ حلال وحرام. قال شيخنا الشهيد الثاني قدسسره في كتاب (منية المريد) بعد ذكر النهي عن المراء والجدل ، ونقل ما ورد في ذمه من الأخبار وذكر معائبه وقبائحه ما لفظه : (ومن خالط متفقهة هذا الزمان والمتسمّين بالعلم ، غلب على طبعه المراء والجدل ، وعسر عليه الصمت إذا ألقى إليه قرناء السوء. أن ذلك هو الفضل ، ففر منهم فرارك من الأسد) (١) انتهى.
فإذا كان هذا وأمثاله في متفقهة تلك الأزمان ، فبالأحرى وقوع أضعافه وأضعاف أضعافه الآن ؛ لما علم من تنزل الزمان وتسافله في جميع المراتب التي لا يحيط بها (٢) قلم البيان ، نسأل الله تعالى تعجيل الفرج وإزالة هذه الرتج بظهور صاحب الزمان والعصر ، أمدّه الله تعالى بالتأييد والنصر.
ولرب ناظر فيما ذكرناه في هذه الدرة بعينه العوراء ممن عادته في جميع أحواله التدليس والتلبيس والجدال والمراء ، يحمله طبعه المهيض ، وطرفه المريض على المقابلة لما ذكرناه بالاستبعاد واللدد والعناد. والسبب في ذلك إنما هو ضيق المسلك عليه والطريق ، وحرمانه من التوفيق بالشرب بذلك المشرب الرحيق ، وتسهيل الأمر على نفسه في التصدّر لذلك المقام والرئاسة على العوام.
ولا أظنك بعد التأمّل فيما شرحناه ، والنظر فيما أوضحناه تستريب في بعد ما ذكره شيخنا قدسسره في ذيل الخبر من التأويل ، وأنه لا اعتماد عليه ولا تعويل. وما
__________________
(١) منية المريد : ١٧٣.
(٢) في «ح» : يحيطها ، بدل : يحيط بها.