السنّة والجماعة كاف بحمد الله.
__________________
الإمامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة أو اُمّة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا ، ولهذا السبب امتازوا ( بالتقية ) وعُرفوا بها دون سواهم.
وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية. وليست هي بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ولا تعز النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين باضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم ، وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية لغاية الهدم والتخريب ، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأُمور على وجهها ، ولا يكلِّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا ، كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أُمّة تدين بدينها.
بلى! إن عقيدتنا في التقيّة قد استغلها من أراد التشنيع على الإمامية ، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلاّ أن تقدم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعباسيين ، بل العثمانيين.
وإذا كان طعن من أراد أن يطعن يستند إلى زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية ، فإنا نقول له : « أولا » أننا متبعون لأئمّتنا : ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وهي عندهم من الدين وقد سمعت قول الصادق عليهالسلام : ( من لا تقية له لا دين له ) ( راجع : بحار الأنوار : ج ٦٤ ص ١٠٣ ح ٢١ و ج ٧٥ ص ٣٤٧ ح ٤ ).
و « ثانياً » قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم ذلك قوله تعالى : « النحل : ١٠٦ » ( إلاّ مَن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام ، وقوله تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) ، وقوله تعالى : ( وَقالَ رَجُلٌ مِن آلِ فِرعونَ يَكتُم إيمانَهُ ) « سورة المؤمن ، الآية : ٢٨ ».