وصلت حدا لا يمكن معها أن يزج بجيش أهل العراق في حرب مع معاوية مع كثرة المتخاذلين ، وتفشي الخلاف عليه ، وقلة الأنصار ، فكان حاله مختلف عما كان عليه الحال في زمن أبيه أميرالمؤمنين عليهالسلام ولهذا وجد عليهالسلام أن يصونهم عن سفك دمائهم ، والإبقاء عليهم خير من أن يعرضهم لأمر لا منفعة فيه ، وضرره بيِّن ، وقد أغرى معاوية ضعاف النفوس ، وشرى منهم أديانهم ، والناس تبع الدنيا أين ما مالت مالوا معها ، وكما قال سيد الشهدا أبو عبد الله الحسين عليهالسلام : إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون (١).
والإمام الحسن عليهالسلام صالح ولكن بشروط ومواثيق أخذها على معاوية ، وهي كفيلة أن تعيد الحق إلى نصابه لو التزم معاوية بالوفاء بها ، ولكنه الغدر الذي ما نفك عن معاوية ابن آكلة الأكباد؟
قال العلاّمة الأميني عليه الرحمة : وأمَّا جنايات معاوية على ذلك الإمام المطهَّر فقد سارت بها الركبان ، وحفظ التاريخ له منها صحائف مشوّهة المجلى ، مسودّة الهندام ، فهو الذي باينه وحاربه ، وانتزع حقَّه الثابت له بالنصِّ والجدارة ، وخان عهوده التي اعترف بها عندما تنازل الإمام عليهالسلام له بالصلح حقناً لدماء شيعته ، وحرصاً على كرامة أهل بيته ، وصوناً لشرفه الذي هو شرف الدين. إلى أن قال :
فعهد إليه عليهالسلام أن لا يسبَّ أباه عليهالسلام على منابر المسلمين ، وقد سبَّه وجعله سنّة متبعة في الحواضر الإسلاميّة كلِّها ، وعهد إليه أن لا يتعرَّض بشيعة أبيه الطاهر بسوء ، وقد قتلهم تقتيلا ، واستقرأهم في البلاد تحت كل حجر ومدر ، فطنَّب عليهم الخوف في كل النواحي ، بحيث لو كان يقذف الشيعيُّ باليهوديَّة
__________________
١ ـ تحف العقول ، الحراني : ٢٤٥.