الأمور التي تعتبر من اختصاصات البشر ، لا في الأمور التي هي من شأن الله سبحانه وتعالى ، فالحاكميَّة الحقيقيَّة لله تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (١) ، والله هو الخالق ، والخالق مالك ، والمالك هو الحاكم ، ولا يجوز للمملوك أن يتصرَّف في حقِّ المالك إلاّ بإذن المالك ، وقد جرت سنّة الله سبحانه وتعالى باصطفاء الخلفاء والحكّام الذين يمثلِّون حكومته في الأرض ، قال تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٢) وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣) وقال : ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٤) وهذا غير الآيات التي تحدَّثت عن اصطفاء الله للخلفاء ، فأمر الحكم هو من اختصاص الله عزّ وجلَّ ، فلا تجري فيه الديمقراطيَّة.
رابعاً : ولو سلّمنا جدلا أنّ الديمقراطيَّة يمكن أن تكون طريقاً لاختيار الحاكم ، لكنّها لا تفيد مع ذلك المجتمع الجاهلي الذي لم يعرف في طول تأريخه معنى الشورى ، فإنّ الأنظمة التي كانت سائدة هي الأنظمة القبليّة ، والتقسيمات العشائريّة ، التي لا تعترف إلاَّ بقانون القوَّة.
قلت : لكنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سعى سعياً حثيثاً لمحو الروح القبليّة ، وإذابة الفوارق العشائريّة ، وجمع ذلك الشتات في بوتقة الإيمان الموحّد.
__________________
١ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٥٧.
٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٣٠.
٣ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٧٣.
٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٢٤.