خالي : نعم هذا صحيح ، ولكن ليس من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدّة ثلاثة وعشرين عاماً إلى نظام موحَّد إسلاميٍّ ، فقد كان لا يرى إلاّ الانتساب إلى القبليَّة فخراً له ، والأدلة على ذلك كثيرة ، فقد نقل البخاري في صحيحه : ( تنازع مهاجريٌّ مع أنصاريٍّ ، فصرخ الأنصاري : يا معشر الأنصار! وصرخ المهاجري : يا معشر المهاجرين! ولمَّا سمع النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : دعوها فإنّها منتنة (١).
ولولا قيادته الحكيمة صلىاللهعليهوآلهوسلم لخضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين والأنصار ، وكم حدثت أمثال تلك الحوادث ، حتى قال فيهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا معشر المسلمين! أبدعوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم (٢) وحتّى تتأكَّد ممَّا قلته لك ارجع إلى أيِّ كتاب في التأريخ ، لترى الصورة الحقيقيَّة للمجتمع الأول ، ولا تفهم من ذلك أنّي أشكِّك في مجتمع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكل ما أقصده أنّ النظرة المثاليّة ليست واقعيّة.
قلت : ليس كلّ ما جاء في كتب التأريخ حقيقة.
خالي : عفواً! لا تعتمدي على الكلمات المطلقة ، ليس كل ما في التأريخ حقيقة ، هذا الكلام عليك وليس معك ؛ لأنّ السلف الذين تدافعين عنهم أنتِ لم تعيشىِّ معهم ، وكل ما تعرفينه عنهم هو عبر التأريخ ، هذا أوَّلا.
وثانياً : إنّ هنالك روايات في الصحاح التي تعترفون بصحّتها تكشف أن المجتمع الأول لم يكن مثاليّاً كما تتخيَّلين ، وإليك هذه الحادثة التي جاءت في
__________________
١ ـ صحيح البخاري : ٤/١٦٠ و٦/٦٥ ـ٦٦.
٢ ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : ١/١٤٩ ، سيرة النبي صلىاللهعليهوآله ، ابن هشام : ٢/٣٩٧ ، فتح القدير ، الشوكاني : ١/٣٦٨.