(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) أي صدقكم الله وعده حتى ضعفتم فى الرأى والعمل ، فلم تقووا على حبس أنفسكم عن الغنيمة ، وتنازعتم ، فقال بعضكم : ما بقاؤنا هنا وقد انهزم المشركون؟ وقال آخرون : لا نخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعصيتم رسولكم وقائدكم بترك أكثر الرماة للمكان الذي أقامهم فيه يحمون ظهور المقاتلة بنصح المشركين بالنبل ، من بعد ما أراكم ما تحبون من النصر والظفر ، فصبرتم على الضراء ولم تصبروا على السراء.
وصفوة القول ـ إن الله نصركم على عدوكم إلى أن كان منكم الفشل والتنازع وعصيان أمر قائدكم صلى الله عليه وسلم ، فانتهى النصر ، لأن الله تعالى إنما وعدكم النصرة بشرط التقوى والصبر على الطاعة.
وفى قوله : من بعد ما أراكم ما تحبون ـ تنبيه إلى عظم المعصية ، لأنه كان من حقهم حين رأوا إكرام الله لهم بإنجاز الوعد أن يمتنعوا عن عصيانه ، فلما أقدموا عليه لا جرم سلبهم الله ذلك الإكرام وأذاقهم وبال أمرهم.
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) وهم الذين تركوا مقعدهم الذي أقعدهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشّعب من أحد وذهبوا وراء الغنيمة.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الذين ثبتوا من الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير وهم نحو عشرة وكان الرماة قبلا نحو خمسين ، والذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثون رجلا.
(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي ثم كفكم عنهم حتى تحولت الحال من النصرة إلى ضدها ، ليعاملكم معاملة من يمتحن ، ليستبين أمركم وثباتكم على الإيمان.
والخلاصة ـ إن الله صدقكم وعده ، فكنتم تقتلونهم بإذنه ومعونته قتل حسّ واستئصال ، ثم صرفكم عنهم بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم ، وحال بينكم وبين تمام النصر ليمتحنكم بذلك : أي ليكون ذلك ابتلاء واختبارا لكم يمحصكم به ، ويميز الصادقين من المنافقين.