أو لعجزه عن تنفيذ ما عزم عليه ، مع اعتقاده بأنه هو الموافق للمصلحة لمرض يلمّ به ، أو مانع يحول بينه وبين تنفيذ ما عزم عليه.
وإنا لنرى هذا يحدث كل يوم ، فليس الإنسان بقادر على أن يفعل كل ما يشاء كما يخيل إلى الناس اغترارا بما ينفذونه من عزائمهم ، فاختياره فى أعماله وقدرته عليها ومعرفته الأسباب ، كل ذلك له حدود لا يتعداها ، فهو لا يحيط علما بأسباب الموت ، ولا يقدر على اجتناب كل ما يعلم من أسبابه ، وما كل ما يتعرض له يقع ، فالذين يعرّضون أنفسهم لنار الحرب قد يسلم أكثرهم ويقتل أقلهم.
ومن هذا تعلم أن الشيء متى وقع علم أن وقوعه لم يكن منه بد ، وأن الإنسان إذا كان يؤمن بمعونة الله وتأييده ، وأنه يوفقه إلى علم ما يجهل من أسباب سعادته ، يكون مع أخذه بالأسباب أنشط فى العمل ، وأبعد عن اليأس والكسل.
(لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) أي لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا فيمن ماتوا أو قتلوا ما قالوا ، ليكون عاقبة ذلك القول مع الاعتقاد حسرة فى قلوبهم على من فقد من إخوانهم تزيدهم ضعفا وتورثهم ندما على تمكينهم إياهم من التعرض لما ظنوه سببا ضروريا للموت ، فإنكم إذا كنتم مثلهم فى ذلك يصيبكم من الحسرة مثل ما يصيبهم ، وتضعفون عن القتال كما يضعفون ، فلا يكون لكم ميزة عنهم بالعقل الراجح الذي يهدى صاحبه إلى أن الذي وقع كان لا بد أن يقع ، فلا يتحسر عليه ، ولا بالإيمان الصادق الذي يزيد صاحبه إيقانا وتسليما بكل ما يجرى به القضاء (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي والله هو المؤثر وحده فى الحياة والموت بمقتضى سننه فى أسبابهما ، وليس للإقامة والسفر مدخل فيهما ، فإن الله قد يحيى المسافر والغازي مع تعرضهما لأسباب الهلاك ، ويميت المقيم والقاعد وإن كانا تحت ظلال النعيم.
وقد أثر عن خالد بن الوليد أنه قال عند موته : ما فىّ موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وهأنذا أموت كما يموت العير (الحمار) فلا نامت أعين الجبناء.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يخفى عليه شىء مما تكنّون فى أنفسكم من المعتقدات