المدينة فى جملة الألف الذين خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا من الطريق وهم ثلاثمائة ليخذلوا المسلمين ، ويوقعوا فيهم الفشل.
ولا شك أن هذا الجواب منهم يدل على كمال النفاق ، وأنه ما كان غرضهم منه إلا التلبيس والاستهزاء ، إذ ذهاب المشركين وهم مدججون بسلاحهم إلى أحد من أقوى الأمارات على أنهم يريدون قتالا.
(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي هم يوم قالوا هذه المقالة «لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ» أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان لظهور أماراته ، بانخذالهم عن نصرة المؤمنين ، واعتذارهم لهم على وجه الخديعة والاستهزاء ، فإن الجهاد فى سبيل الله والدفاع عن الأهل والوطن عند هجوم الأعداء مما يجب على المؤمن ، ولا ينبغى تركه بحال.
يرشد إلى ذلك قوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».
وإنما قال : إنهم أقرب إلى الكفر ، ولم يقل إنهم كفار ـ منعا للنبز بالكفر بالعلامات والقرائن ، دون أن يكون هناك كفر صريح ، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهم معاملة المؤمنين ، حتى إنه صلى على رئيسهم عبد الله بن أبىّ صلاة الجنازة بعد بضع سنين من وقعة أحد ، إلى أن فضحهم الله بقوله : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ».
والخلاصة ـ إنه تعالى كان يعلم أنهم يبطنون الكفر لعملهم عمل الكفار بتركهم الجهاد ، لكنه لم يصرح به ، بل أومأ إليه ، تأديبا لهم عسى أن يتوب على من لم يتمكن الكفر فى قلوبهم ، ومنعا للناس من الهجوم على التكفير بالظّنة ووجود الأمارات فحسب.
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) أي إن ما تقوله ألسنتهم مخالف لما تضمره