فى وقعة أحد بخروج العدو بجيش عظيم لمقاتلتهم ، وابتلى الرماة منهم بالمخالفة ، وإخلاء ظهور قومهم لعدوهم ، وابتلوا بظهور العدو عليهم ، جزاء ما فعلوا من المخالفة ، فظهر نفاق المنافقين ، وزلزل ضعفاء المؤمنين زلزالا شديدا ، وثبت كملة المؤمنين ، وصاروا كالجبال الرواسي التي لا تزعزعها الرياح والأعاصير (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) أي ولكن الله يختار من رسله من يشاء ، فيطلعه على ما فى قلوب المنافقين من كفر ونفاق ، وعلى ما ظهر منهم من أقوال وأفعال ، كما حكى عنهم بعضه فيما سلف ، ويفضحهم به على رءوس الأشهاد ، ويخلصكم من كيدهم وخداعهم.
ونحو الآية قوله : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ».
وفى التعبير بالاجتباء إشارة إلى أن الوقوف على أسرار الغيب منصب جليل تتقاصر عنه الهمم ، ولا يؤتيه الله إلا لمن اصطفاه لهداية الأمم.
وبعد أن ردّ على ما طعن به المنافقون فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من وقوع الكوارث التي حصلت فى أحد ، وبين أن فيه كثيرا من الفوائد كتمييز الخبيث من الطيب ، أمرهم بالإيمان به فقال :
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي فآمنوا بالله ورسله الذين ذكرهم الله فى كتابه وقص علينا قصصهم.
وعمم الأمر بالإيمان بالرسل جميعا مع أن سوق الكلام فى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، للايماء إلى أن الإيمان به يقتضى الإيمان بهم ، لأنه صلى الله عليه وسلم مصدق لما بين يديه من الرسل ، وهم شهداء على صحة نبوته.
(وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي وإن تؤمنوا بما جاءوا به من أخبار الغيب ، مع تقوى الله بترك ما نهى عنه ؛ وفعل ما أمر به ، فلكم أجر عظيم لا يستطاع الوصول إلى معرفة كنهه.