(٤) من يقع فى الذنب فيتوب ويستغفر ثم يعرض له مرة أخرى فيعود إليه ثم يلوم نفسه ويندم ويستغفر وهلم جرا ، وهؤلاء أدنى طبقات التوّابين ، والنفس الباقية أرخص عندهم من النفس الفانية ، وهم مع ذلك محل للرجاء ، لأن لهم زاجرا من أنفسهم يذكرهم دائما بالرجوع إلى الله عقب كل خطيئة ، وهكذا تكون الحرب سجالا بينهم وبين أنفسهم ؛ فإما أن تنتصر دواعى الخير فتصح توبتهم ، وإما أن تنكسر أمام جند الشهوة فتحيط بهم خطيئتهم ويكونوا من المصرّين الهالكين.
وخلاصة المعنى ـ إن التوبة التي أوجب الله على نفسه قبولها بوعده الذي هو أثر كرمه وفضله ، ليست إلا لمن يجترح السيئة بجهالة تلابس نفسه من سورة غضب أو تغلب شهوة ، ثم لا يلبث أن يندم على ما فرط منه وينيب إلى ربه ويتوب ويقلع عن ذنبه.
(فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي فأولئك الذين فعلوا الذنوب بجهالة وتابوا بعد قريب من الزمن ، يتوب الله عليهم ، لأن الذنوب لم ترسخ فى نفوسهم ، ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون.
(وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) وبهذا العلم بشئون عباده ومعرفة مصالحهم جعل التوبة مقبولة حتما ، لأنه يعلم ضعف عباده وأنهم لا يسلمون من عمل السوء ، فلو لم يشرع لهم التوبة لهلكوا باسترسالهم فى المعاصي والسيئات وتعمد اتباع الهوى وخطوات الشيطان لعلمهم أنهم هالكون لا مخالة ؛ فلا فائدة من جهاد النفس وتزكيتها.
أما وقد شرع الله بحكمته قبول التوبة فقد فتح لهم باب الفضيلة وهداهم إلى محو السيئة بالحسنة ، لكنه لا يقبل إلا التوبة النصوح دون حركات اللسان بالاستغفار والإتيان ببعض المكفرات من الصدقات أو الأذكار مع الإصرار على الذنوب والأوزار ، ومن ثم جمع الله فى الآية السابقة بين التوبة وإصلاح العمل.
وقد فعلت الأمم السالفة مثل هذا فاستثقلت التكاليف ، وفسقت عن أمر ربها