وأوعد عليه بالعذاب الأليم ، حتى نكون أمة متفقة المقاصد ، متحدة فى الدين فنجمع بين سعادتى الدنيا والآخرة.
(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) أي إن كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه فإنما يريد به هدايتهم إلى ما يكمل فطرتهم ، ويتم به نظام جماعتهم ، فإذا هم فسقوا عن أمره حل بهم البلاء وكانوا هم الظالمين لأنفسهم ، بتفرقهم واختلافهم ، إلى نحو ذلك من الذنوب التي تفسد نظم المجتمع وتجعل أهله فى شقاء.
ولا يحل عذاب بأمة إلا بذنب فشا فيها فزحزحها عن الصراط المستقيم كما قال : «وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».
ثم ذكر ما هو كالبرهان لنفى الظلم عنه تعالى فقال :
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي إنه تعالى مالك العباد والمتصرف فى شئونهم بحسب سننه الحكيمة التي لا تغيير فيها ولا تبديل كما قال : «سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً» وليس من أسباب ملكه شىء ناقص يحتاج إلى تمام فيتممه بظلم غيره ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ولأن الظلم ينافى الحكمة والكمال فى النظام وفى التشريع.
ومن حمل عبيده أو دوابه ما لا تطيق يقال إنه ظلمها ، ومن نقص امرأ حقه فقد ظلمه ، قال تعالى : «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً».
وعلى الجملة ـ فالظلم الذي ينفيه تعالى عن نفسه هو ما ينافى مصلحة العباد وهدايتهم لسعادة الدنيا والآخرة ، وبعبارة أخرى هو ما يخالف النظام والإحكام.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ